١٦ ربيع الآخر ١٤٣٣

الساموراي و التنين




 * د. "محمد خير" عيادات

إن مستقبل آسيا مرتبط بطبيعة ومستقبل العلاقات بين الصين واليابان, هذه حقيقة بسيطة ومهمة لكن السؤال ما هي طبيعة ومستقبل تلك العلاقات ? هل بإمكان القيادة الصينية والحكومة اليابانية إدارة هذه العلاقات المعقدة ليس فقط لمصلحة الدولتين الآسيويتين, بل لمصلحة آسيا والعالم بأسره ? قد نتفاءل أو قد نتشاءم حول مستقبل تلك العلاقات ولكل موقف ما يبرره, ولكن الشيء المؤكد أنه لا يوجد هناك حتمية تاريخية حول ما ستؤول إليه تلك العلاقة, ومستقبل تلك العلاقة مرهون أولاً وأخيراً بخيارات يصنعها وأولويات يحدّدها صانعو القرار في تلك الدولتين الآسيويتين الكبريين, وشعبيهما ايضا, لا يوجد سحر أو أرواح شريرة بل تجني الشعوب ما تزرع.
لم تكن بداية هذا العام توحي بالخير أو تدعو للتفاؤل حول العلاقات الثنائية بين اليابان والصين, لسبب أو لآخر قررت الحكومة اليابانية إطلاق أسماء على أفراد الجزر المكونة لجزر (سنكاكو) كما تطلق عليها اليابان, وجزر (ديا أويو) كما تطلق عليها الصين, التي تقع في بحر الصين الشرقي, ضمن المناطق الحدودية البحرية المتنازع عليها بين الصين واليابان, الجزر عملياً تقع تحت السيطرة اليابانية, لكن الصين ما زالت تدعي السيادة على تلك الجزر لقد دفع القرار الياباني هذا إلى رد فعل صيني يبدو عليه الحزم والتشدد, ويعبر بالتأكيد عن حالة من التوتر بين البلدين, بالمجمل أكدت الصين حقها السيادي في تلك الجزر, وحذرت الحكومة اليابانية من ان الصين " لن تحتمل أية محاولة لاختبار إرادتها لحماية سيادة أراضيها, وعلى ما يبدو كرد فعل للإجراء الياباني. فقد قام حرس السواحل الصينيون مؤخراً (21/2/2012) بملاحقة قاربي أبحاث يابانيين وطردهما بتهمة القيام بنشاطات مراقبة غير قانونية - داخل المياه الإقليمية الصينية ", كلام وسلوك يوحي بالأزمة والخطر, ولكن دعنا لا نبالغ, فهذه ليست بداية حرب عالمية ثالثة!
هناك تركة تاريخية طويلة ثقيلة ومثقلة في العلاقة بين اليابان والصين, والعديد من الدول الآسيوية الأخرى. إن تجربة احتلال اليابان لأجزاء من الصين وكوريا الجنوبية ما زالت تثير العواطف وردود الفعل الجياشة بين الشعبين الكوري والصيني, لا أحد ينكر حجم المأساة وبشاعة الأحداث التي ارتكبت, واليابان نفسها لم تنكر هذه الأحداث, وقد أنشئت العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليابان عام 1972 باعتذار شخصي من قبل رئيس الوزراء الياباني آنذاك (كاكوئي تاناكا) للزعيم الصيني ( ماوتسي تونغ) وقبل الأخير الاعتذار. لقد بنيت تلك العلاقة منذ ذلك الوقت على التطلع الى المستقبل وليس النظر الى الوراء, ولقد أسهمت اليابان, وبغض النظر عن الدافع أو الدوافع, في عملية التنمية المطردة التي شهدتها الصين من خلال تقديم مساعدات مالية وفنية للأخيرة, أما في ما يتعلق بالخلافات الحدودية بين الصين والعديد من الدول الآسيوية بما فيها اليابان, فقد تعهدت الصين باللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية والقانونية لحل ذلك الخلاف تعبيراً عن وعي ونضج سياسي صيني  لكن الحراك السياسي في اليابان كما هو الحراك السياسي في الصين لا يحدث في فراغ. فاليابان نفسها, ودعنا ولو للحظة من مصطلحات المذنب والضحية, قد عانت الأمرين من تجربة الحرب العالمية الثانية قتلاً وتدميراً, وفقدت نتيجة لهذه التجربة المريرة روحها ونفسها, إن اليابان ومنذ الحرب العالمية الثانية ما زالت تبحث عن ذاتها, يطلق بعضهم على هذا البحث إعادة تجديد الروح القومية اليابانية, وقد تمثل ذلك الزيارات التي قام بها العديد من رؤساء الوزارات اليابانية لضريح (ياسوكوني) الذي يشمل أسماء قتلى في الحرب العالمية الثانية تم اتهامهم كمجرمي حرب, ولكن هذه الزيارات قد توقفت منذ عام ,2006 بنهاية إدارة جونشيروكويزومي, نعم, من حق الصين وكوريا الجنوبية أن تشعرا بالاستفزاز, ولكن اليابان من حقها عاجلاً أم آجلاً أن تشعر بالحداد على قتلاها, إن ارواح الموتى تطلب الهدوء بدفن الأجساد بطريقة مناسبة كما يفترض في حضارتنا, والاعتراف بقلق تلك الأرواح كما هي الحال بالحضارة والثقافة اليابانية. إن الحراك السياسي في الصين يحدث أيضا على خلفية تنامي الشعور القومي, خاصة بين فئات الشباب. إن القيادة الصينية تعي تماماً أخطار الشعور القومي غير المنضبط خاصة إذا توافرت فيه الطاقة غير المحدودة كما هي الحال عادة في الفئات الشابة, على أثر التصادم بين قارب صيد صيني وحرس السواحل اليابانية في تشرين الأول ,2010 واعتقال الصياد الصيني, قامت موجة عارمة من الاحتجاجات في الصين وتمت مهاجمة العديد من المصانع والمنشآت اليابانية في الصين, لكن الحكومة الصينية نفسها كانت تعي أخطار هذه المشاعر الجياشة, حيث دعت الى أن أفضل وسيلة للتعبير عن الشعور الوطني والولاء 
للدولة الصينية هو بتوجيه هذه الطاقات الشابة نحو بناء الصين والمحافظة على مكاسب والتنمية والنمو, وهذا يفسر أيضا عدم السماح (للتحالف الصيني للدفاع عن جزر ديا اويو) بالتوجه إلى تلك الجزر, رداً على الإجراءات اليابانية.
من حق الصين أن تنظر بعين الريبة لتجدد مظاهر الشعور القومي في اليابان,
ولكن اليابان, وهذه حقيقة بسيطة, لا تملك ما يمكن تسميته بالحجم الحرج لانفجار قومي, السبب بسيط, وهو أن اليابان تتحول بشكل ثابت نحو مجتمع كبار السن, لا يملك تلك الطاقة الجياشة لقومية مدمرة, أما الصين فتعي ليس فقط بالأرقام, ولكن بالنظر إلى أفق الصين  ومستقبلها, إن أفقها ومستقبلها يقع في أقليم آسيوي مفتوح وبشعور قومي منضبط ومسالم ايضا.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار