١١ ربيع الآخر ١٤٣٣

التعاون بين الإمارات و الصين


محمد خليفة
الصين بلد لا يعرف المستحيل، لقد أصبحت عملاقاً اقتصاديا لم يشكّل التزايد السكاني الهائل عبئاً اقتصادياً عليها، بل استغلته كطاقة إنتاج، لا يستفيد منها الصينيون وحدهم؛ بل العالم أجمع . وزيارة رئيس مجلس الوزراء الصيني وون جياباو الأخيرة إلى دولة الإمارات في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2011 تفتح الطريق إلى مزيد من العمل المشترك بين دولة الإمارات والصين . وقد أثنى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في مقابلة مع مجلة “شباب بكين” الصينية يوم السبت 28/01/2012 على تجربة الصين على الصعيدين العلمي والاقتصادي، وقال سموه: “إن الإمارات تسعى إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، كما ترغب في إرسال طلاب إماراتيين للدراسة والتزود بالمعرفة في الصين” . إن مبادرة سموه لابتعاث طلبة الإمارات للدراسة في الصين، تأتي من إيمان سموه بأن الإنسان هو صانع الحضارة بحكم أنه العنصر الذي بفكره تنطلق الحضارة وبعلمه تتم إشادتها، والإنسان هو المحور الذي تدور حوله وترتكز عليه العلوم والتقنية وهما سلاح الأمن والسلام 
و من هذا المنطلق باشرت الصين بالتعليم الفني والتقني المقرون بالتدريب لطلابها في مؤسساتها التعليمية، وذلك نابع من أن الخبرة التطبيقية أصبحت هي الأساس في كل ما يمس ويحرك الحياة المعاصرة .
و كانت الدورة الرابعة لندوة الحوار بين الحضارتين العربية والصينية قد عقدت في أبوظبي، الشهر الماضي، وناقش المشاركون في الندوة محاور مهمة تضمنت القيم المشتركة بين الحضارتين العربية والصينية، والشخصيات العربية والصينية التي أسهمت في التعاون بين الحضارتين، وأثر الثقافة الإسلامية في الصين، وأهميتها في تعزيز المعرفة المتبادلة . وقد أشاد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، بالعلاقات المتنامية بين الإمارات والصين، ودعا إلى تطوير العلاقات المبنية على الصداقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لترتقي تلك العلاقات إلى طموحات وتطلعات قيادتي وشعبي البلدين . ويأتي توجه دولة الإمارت نحو تدعيم علاقتها مع الصين، لما تمثله الصين من ثقل، وما تشهده حالياً من نهضة اقتصادية وتعليمية شهد لها العالم بالتميّز والتفرّد، ومن هنا كانت نظرة صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لابتعاث أبنائنا الطلاب والباحثين إلى الصين، لأن النهضة العلمية التي تشهدها الصين في الوقت الحاضر لا مثيل لها في التاريخ المعاصر، واعتمدت على ركائز عدة:
* تولي الحكومة الصينية اهتماماً بالغاً لتطوير التعليم الإلزامي، وبفضل جهودها، ارتفعت نسبة تعميم التعليم الإلزامي في البلاد من 80% قبل بضع عشرة سنة إلى أكثر من 90% حالياً . وفي السنوات المقبلة، ستركز الحكومة أعمالها في هذا الصدد على تطويرالتعليم الإلزامي في الأرياف والتعليم العالي، سعياً إلى توفير فرص التعليم لجميع الأطفال الصينيين وبناء جامعات من الدرجة الأولى في العالم بأسرع وقت ممكن .
* إحكام الدولة قبضتها على المؤسسات التعليمية كافة، لضمان تنفيذ خطط واستراتيجيات الدولة، ومع هذا الإحكام فقد تركت لهذه المؤسسات حق الإدارة الذاتية، بما يتوافق والأهداف العامة للدولة، لتسعى المؤسسات التعليمية إلى توفير الدعم المالي المطلوب من المجتمع نفسه، وبذلك أصبح على الجامعات أن تتخذ القرارات التي تراها ملائمة لظروفها بما تحقق لها أهدافها . وقد ترتب على هذه الحرية الإدارية أن تنافست الجامعات في تقديم الخدمات والمشروعات الاجتماعية الربحية لتخدم أكثر من مجال، وبذلك ستنعم بالدعم المالي من الحكومة المركزية والمحلية وتصبح مؤسسات تعليمية ذات إدارة مشتركة، وهي بذلك ستلعب دوراً إيجابياً في دعم الاقتصاد والتنمية المحلية . كما انتهجت مؤسسات تعليمية أخرى سبيلاً آخر لإصلاح نظامها التعليمي، فرأت أن أفضل سبيل هو الاندماج مع الشركات والتنظيمات الاجتماعية، وبذلك أوجدت لنفسها دعماً مالياً من مصدر جديد، والمنهج الآخر الذي سلكته بعض الجامعات هو الاندماج مع جامعات أخرى، بهدف الاستفادة المشتركة من إمكاناتهما العلمية والمالية، ولتخفيض حجم تكاليف العملية التعليمية فهما تشاركان بعضهما في الاستفادة من المدرسين والمختبرات والمكتباب والأبنية وغيرها .
* إصلاح هيكل المواد الدراسية بالجامعات، ولذا قررت لجنة التعليم التابعة للدولة الاستغناء عن التخصصات التي تدعم توجه الدولة نحو تعليم عصري متطور، ودمج التخصصات المتشابهة والمتقاربة فتم خفض عدد التخصصات من 813 تخصصاً إلى ،504 بهدف التركيز على التخصصات التي تواكب حاجات المجتمع واقتصاد السوق والتطور العلمي والتكنولوجي .
* الاستعانة بالكفاءات العلمية المتميزة على مستوى العالم، واستقدام الحاصلين على جائزة نوبل في العلوم المختلفة، وإشراكهم في وضع الخطط العلمية والبرامج التعلمية، بما يضمن للصين تفوقاً علمياً .
* ربط الدراسات العليا بالتميز والإبداع والأصالة العلمية، فطالب الماجستير والدكتوراه مطالب بنشر بحوث عدة في مجلات علمية عالمية رصينة كجزء من متطلبات الحصول على الشهادة، إضافة إلى تأدية وحدات دراسية (كورسات) أثناء فترة الدراسة وتقديم أطروحات للتخرج . ويكفي أن نعرف أن جامعة بكين (تأسست عام 1898) تضم 12 ألف طالب ماجستير ودكتوراه غير الوافدين الأجانب .
إن التعليم والبحث العلمي اليوم هما القاطرة التي تقود دولة الصين إلى المكانة العظمى التي تنعم بها حالياً . فيكفي أن نعرف أن الصين تمتلك ثاني أكبر ميزانية للبحوث والتنمية في العالم، كما أن الرياضيات التي تُدرس حتى في مدارس الفلاحين في القرى الصينية يشبه مستوى الرياضيات في المدارس الممتازة بمنطقة نيويورك، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي نيكولاس كريستوف 
* كاتب من الإمارات

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار