١٠ ربيع الآخر ١٤٣٣

الصين و مخاطر النمو المتزايدة


ياو يانج 

إذا سارت كل أمور الصين على ما يرام، فمن المتوقع أن تتفوق على الولايات المتحدة بوصفها الدولة صاحبة أضخم اقتصاد على مستوى العالم من حيث القيمة الدولارية الحالية بحلول عام 2021 (وفي وقت أقرب من هذا من حيث القيمة الحقيقية). وسوف يعادل نصيب الفرد في الدخل هناك نظيره في الدول ذات الدخول المرتفعة الأدنى مرتبة. ولكن على الرغم من الزخم المستمر فإن الاقتصاد الصيني يواجه مخاطر واضحة في العقد المقبل. 

ويتلخص الخطر الوشيك في الركود المستمر أو الكساد في أوروبا. ففي العقد الفائت كان نمو الصادرات يشكل نحو ثلث النمو الاقتصادي الإجمالي في الصين، كما ذهب نحو ثلث صادرات الصين إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا استمر الوضع في أوروبا في التدهور فإن نمو الصين سوف يتراجع. 

إن الإفراط في تشديد سياسات الاقتصاد الكلي المحلية، وخاصة تلك التي تستهدف سوق العقارات، من شأنه أن يزيد من خطر التباطؤ، حيث تتجه أسعار المساكن حالياً نحو الهبوط في مختلف أنحاء الصين، بفضل تدابير حكومية صارمة. والواقع أن الموقف اليوم أشبه كثيراً بما كانت عليه الحال في الأزمة المالية التي ضربت آسيا في عام 1997. ففي الأعوام العديدة التي سبقت تلك الأزمة، كانت الصين تكافح التضخم، وبدا الأمر وكأنها تتجه نحو هبوط هادئ. ولكن اقتران الأزمة بتدابير التقشف حكم على الصين بسنوات عديدة من الانكماش والنمو المتباطئ إلى حد كبير. 

واليوم، بينما تنظر الصين إلى الأمد المتوسط، يتعين على الحكومة أن تواجه المشاكل الناجمة عن الدور القوي الذي تلعبه في الاقتصاد. ويشير تقرير حديث للبنك الدولي إلى الافتقار إلى إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة باعتباره المعوق الأكثر أهمية أمام النمو الاقتصادي في البلاد. ولكن هذا ليس سوى عَرَض لمشكلة أعمق: الدور المهيمن الذي تلعبه الحكومة في الشؤون الاقتصادية. 

إلى جانب السيطرة على 25% إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل مباشر، تستحوذ الحكومة أيضاً على نصيب الأسد من الموارد المالية. ففي الأعوام الأخيرة، ذهب أكثر من ثلث إجمالي الإقراض المصرفي إلى مشاريع البنية الأساسية، التي تولى أغلبها كيانات حكومية. والواقع أن الحكومة التي أدركت إفراطها في الاستثمار في البنية الأساسية، قررت مؤخراً التخلي عن عدة مشاريع لتمديد سكك حديدية عالية السرعة والتي كانت تحت الإنشاء بالفعل. ولكن إفراط الحكومة في الاستثمار كان واضحاً أيضاً في عدد هائل من المجمعات الصناعية ومناطق التقنية العالية. 

الواقع أن حُمَّى الاستثمار هذه تذكر العديد من الناس باليابان في ثمانينيات القرن العشرين، عندما تم تمديد خطوط السكك الحديدية العالية السرعة إلى المناطق النائية من اليابان، والتي يعتمد أغلبها على إعانات الدعم الحكومية إلى يومنا هذا. وفي حين قد تحسن إعانات الدعم من نوعية الحياة بالنسبة للأشخاص العاديين من بعض النواحي، فإنها تنتقص منها أيضاً من خلال قمع الاستهلاك المحلي. 

ومن المحتم أن يصطدم الاستثمار في البنية الأساسية بقانون تناقص العائدات الحدية، ولكن نمو الاستهلاك لا حد له. وبالتالي فإن قمع الاستهلاك يؤدي إلى خنق النمو في المستقبل، كما انحدرت حصة الاستهلاك الأسري في الناتج المحلي الإجمالي من 67% في منتصف التسعينيات إلى أقل من 50% في الأعوام الأخيرة، ويعكس القسم الأعظم من هذا الانحدار التشوهات الناجمة عن سياسات الحكومة. 

إن الحكومة الصينية موجهة نحو الإنتاج بطبيعتها. والجانب الإيجابي هنا هو أن هذا التوجه ساعد في الحفاظ على معدلات النمو المرتفعة للناتج المحلي الإجمالي. ولكن الجانب السلبي لا يقل وضوحا. ويتلخص أحد العواقب السلبية في التزايد العنيد للتفاوت في الدخول. فقد تجاوز معادل جيني لنصيب الفرد في الدخل خمسين نقطة (حيث تمثل 100 نقطة الحد الأقصى من التفاوت)، الأمر الذي يضع الصين ضمن الربع الأعلى من التفاوت وعدم المساواة على مستوى العالم. 

وقد لا تتلخص المشكلة في عدم المساواة في حد ذاتها، بل في العواقب المترتبة عليها، والتي قد تشتمل على تبدد رأس المال البشري. فالعائد من التعليم في ازدياد في الصين، ولكن القدرة على الحصول على التعليم أصبحت مقسمة اجتماعياً وجغرافياً على نحو متزايد. فرغم أن التعليم يتحسن في المناطق الحضرية، فإن الأطفال في المناطق الريفية يواجهون انحداراً في جودة التعليم، لأن المعلمين الأفضل يجدون طريقهم إلى المدن. فضلاً عن ذلك، ونظراً للتفاوت في الدخول بين المدن والمناطق الريفية، فإن التعليم في الريف أصبح أكثر تكلفة من تعليم الأطفال في المدن. 

ونتيجة لهذا فإن الغالبية العظمى من الأطفال في المناطق الريفية سوف يدخلون إلى سوق العمل من دون الحصول على شهادة جامعية. فبين 140 مليون عامل مهاجر في الصين، لم يحصل 80% منهم سوى على تسعة أعوام أو أقل من التعليم الرسمي ــ وهي فترة أقل كثيراً من المعتاد في البلدان ذات الدخول المرتفعة. 
وعلى الرغم من رغبة المسؤولين الظاهرية في الحد من عدم المساواة، فإن الحكومة الصينية تعمل على تفاقم التفاوت بتقديم إعانات الدعم للمنتجين، ومحاباة الصناعات التي تتطلب رؤوس أموال كثيفة، والحفاظ على قطاع مالي يتسم بدرجة عالية من عدم الكفاءة. ولكن هناك أيضاً علامات واعدة تشير إلى زيادة اقتصادية طفيفة. فقد أعلنت الحكومة للتو عن قواعد جديدة لتسجيل الأسر. وباستثناء المدن الكبيرة، فإن الناس بوسعهم الآن أن يختاروا بحرية نظام تسجيل الأسر بعد ثلاثة أعوام من الإقامة. وهذا من شأنه أن يساعد المهاجرين إلى حد كبير من خلال ضمان المساواة في فرص التعليم لأطفالهم. 

بيد أن تغيير سلوكيات الحكومة المشوهة بشكل كامل يتطلب المزيد من التغييرات السياسية الجذرية. ويشكل إصلاح نظام تسجيل الأسر بداية طيبة، لأنه كفيل بتعزيز الحقوق السياسية للمهاجرين في المجتمعات المحلية. ونظراً لأعدادهم الهائلة فإن مشاركتهم في الحياة السياسية قد ترغم الحكومات المحلية على الاستجابة بشكل أكبر لاحتياجات الناس العاديين. وإننا لنأمل أن تمتد استجابة الحكومة في المستويات الأدنى إلى القمة في نهاية المطاف. 

ياو يانج مدير مركز الصين للبحوث الاقتصادية في جامعة بكين. 

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار