٢٢ ربيع الآخر ١٤٣٣

العالم يخشى حالة التعبئة القومية في الصين


الجميع يشعر بالفضول إزاء الطريقة التي ستتعامل بها الصين، القوة العظمى، مع بقية دول العالم. ويتعين على أي شخص ينوي الاطلاع على المستقبل، أن يبدأ بالنظر الى الماضي، على الاقل النسخة الرسمية من الماضي الصيني. وتبدو الرسالة المبعوثة منها غير مطمئنة، إذ إن تلاميذ المدارس في الصين يتعلمون نسخة من التاريخ مغالية في التعصب القومي. وتشير الرواية الرسمية الى ان الصين تم استغلالها بصورة بشعة من قبل غرباء جشعين وطماعين. ولا يمكن تصحيح هذه الاخطاء التاريخية إلا من خلال الصين القوية التي تردع الاعداء.
وفي واقع الامر فإن هذه القصة الرسمية تحوي كثير من الحقيقة، إذ كانت الصين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ضحية لهيمنة الغرباء. والمشكلة ان التاريخ الرسمي للصين يفتقر الى ميزة كانت الفلسفة الماوية تشدد عليها وهي النقد الذاتي. وعند زيارة المعارض في المتحف الوطني الفسيح في ساحة تياننمين، يمكن ان يرى المرء ويقرأ عن الافعال المرعبة التي ارتكبها الغرباء بحق الصينيين. وليس هناك اي شيء تقريبا عن الافعال الاكثر رعباً التي ارتكبها الصينيون بحق بعضهم بعضا، ويرجع ذلك الى ان معظم هذه الجرائم تم ارتكابها من قبل الحزب الشيوعي، الذي لايزال يحكم الدولة.
ويعتبر اجراء نقاش نزيه عن الماضي مسألة ضرورية في رحلة الصين الى نظام سياسي اكثر انفتاحاً. ومن شأن اعتماد وجهة نظر التاريخ الصيني، التي تذهب الى ما هو ابعد من التركيز على ان الصين كانت الضحية، ان يجعل الصين تحلق قوة عظمى على نحو اكثر سلاسة. ويطلق على الصالات المتخصصة بالتاريخ الصيني الحديث في المتحف الوطني «طريق التجدد»، وفي الغرفة الاولى يواجه الزائر بمقدمة مكتوبة وبارزة تقول: «الامة الصينية هي امة عظيمة، شعبها نشيط وشجاع وذكي ومحب للسلام»، ومن ثم يؤكدون لك انهم سيظهرون لك كيف نهض الشعب الصيني «بعد ان كان مقهوراً في الفترة الاستعمارية وسيطرة المجتمع شبه الاقطاعي منذ حرب الافيون عام ،1840 الى المقاومة ضد الاذلال والبؤس، وبذل كل ما أمكن من جهد لتجديد الامة».
ويجري عرض المتحف الوطني بصورة جيدة، وهو يعج بالامور القيّمة والمثيرة للاهتمام، ولكن الرسالة السياسية التي يبعثها فجة. وتترافق الاجنحة المخصصة لحرب الافيون مع الشرح الذي يقول: «انقضّت القوات الامبريالية على الصين مثل سرب من النحل، ونهبت نفائسنا وقتلت شعبنا»، وهناك مكان فسيح للجناح الذي يروي قصة الاجتياح الياباني في ثلاثينات القرن الماضي، ولكن الحرب الاهلية بين القوميين والشيوعيين لم يتم منحها الكثير من الاهتمام. وقال الدليل معلقا على ذلك: «انه ليس امراً مهماً، انه مجرد قتال بين الصينيين أنفسهم». وكانت مرحلة الصين تحت الحكم الشيوعي اكثر ابهاماً، وكان ذكر مجرد «عقبات» في السنوات الاولى من الحكم الشيوعي، هي كل ما هو موجود عما يطلق عليه الصينيون «الزحف العظيم»، ولم يتم التحدث عن المجاعة التي كانت من صنع الصينيين انفسهم، والتي قتل فيها 20 مليون شخص، وكذلك الاضطرابات والترويع الناجم عن الثورة الثقافية، كما ان المعرض لم يأتِ على ذكر حادثة ساحة تيانامن.
ومن المهم الان التفكير في ما يمكن ان يبدو عليه متحف التاريخ الصيني في مرحلة ما بعد الشيوعية. وبالطبع، فإن مثل هذا المتحف يمكن ان يعالج بعض المآسي التي انزلها الصينيون بأنفسهم في المرحلة المعاصرة. ولكن اجنحة المتحف التي تتسم بالمزاج القومي المتشدد ذاته يمكن ان تستمر. وكما قال احد اساتذة جامعة بكين: «التركيز على استغلال الصينيين من قبل الغرباء لن يتغير، اذ انها الطريقة التي يتعلمها الجميع هنا من سن السادسة». وفي الوقت الذي يصبو فيه الاجانب الى الانخراط في الصين المعاصرة، يكون من المهم ان يفهموا كيف تنظر الصين الى ماضيها. ويتم تعليم كل طفل صيني في المدرسة عن حرب الافيون التي شنها البريطانيون. ومما يدعو الى الغرابة انني لا اذكر اني قرأت هذا الموضوع في مادة التاريخ خلال دراستي في مدارس بريطانيا.
المهم القول إن دراسة التاريخ الصيني يمكن ان تساعد الاجانب على فهم السياسة الضبابية للصين المعاصرة. وكانت أحداث تياننمين عام ،1989 جزءاً من تقليد وطني مشرف لانتفاضات الطلبة الذين يطالبون بالتجديد الوطني. ووقعت احداث مماثلة في عام 1919 وعام ،1935 وفي كلا المناسبتين كان المحرض الرئيس هو الشعور بالإذلال من قبل الاجانب. وتساعد هذه الذكريات التاريخية على توضيح السبب الذي يجعل السلطات الصينية تشعر بأنها عرضة للاتهام بانها تبدي ضعفاً في تعاملها مع العالم الخارجي.
جيدون راتشمان كاتب في «الفايننشال تايمز»

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار