٢٢ ربيع الآخر ١٤٣٣

من المفيد معرفة ماضي الصين لاستشراف مستقبل العالم


جدعون راتشمان من لندن
ما الكيفية التي يمكن أن تتعامل بها قوة عظمى صينية مع بقية العالم؟ أي شخص يريد أن يستشرف المستقبل يمكنه أن يبدأ ذلك بالنظر إلى الماضي - أو على الأقل إلى النسخة الرسمية من ماضي الصين. والرسالة في هذا الصدد لا تبعث على الاطمئنان. فالأطفال في المدارس الصينية يعلمونهم نسخة تاريخية شديدة الوطنية. ونص الخطاب الرسمي يقول إن بلدهم كان مستغلاً دون رحمة من قبل الأجانب الجشعين. ولا يستطيع أحد سوى الصين العظمى تصحيح هذه الأخطاء التاريخية.
القصة الرسمية فيها كثير من الحقيقة. فقد كانت الصين في القرنين التاسع عشر والعشرين، ضحية للإمبريالية الأجنبية. وتتمثل المشكلة في أن تاريخ الصين الرسمي يفتقر إلى الصفة التي كانت الماوية تسعى للتأكيد عليها: النقد الذاتي. فإذا قمت بزيارة ما يعرض في المتحف الوطني الصيني هائل الحجم في ميدان تيانانمين، فإنك ترى وتقرأ عن الأمور الفظيعة التي قام بها الأجانب في تعاملهم مع الصينيين. ويكاد المتحف يخلو تماماً من أمور أشد فظاعة قامت بها فئات الشعب الصيني ضد بعضها بعضا. ويعود معظم السبب في ذلك إلى أن الحزب الشيوعي الصيني هو الذي اقترف تلك التصرفات - وهو ما زال يحكم البلاد.
إن نقاشاً أكثر نزاهة حول الماضي سيكون جزءا رئيسياً من رحلة الصين باتجاه نظام سياسي أكثر انفتاحاً. ومن شأن نظرة إلى التاريخ الصيني تتجاوز خطاب كون المرء ضحية، أن تجعل نهضة الصين لتصبح قوة عالمية، أمراً أسهل.
أماكن العرض المكرسة لتاريخ الصين الحديث في المتحف الوطني يطلق عليها ''الطريق إلى استعادة الشباب''. ويتم إرشاد الزائر في أول قاعة إلى مقدمة مكتوبة تدّعي أن ''الأمة الصينية أمة عظيمة، شعبها صناعي، وشجاع، وذكي، ومحب للسلام''. ويعدك المعرض بأن ترى الشعب الصيني ''بعد أن تم الحط من شأنه على أنه مجتمع شبه استعماري وشبه إقطاعي منذ حرب الأفيون عام 1840، نهض في مقاومته للاحتقار والفقر وحاول بكل وسيلة ممكنة أن يعيد شباب الأمة''.
والمتحف الوطني الذي أعيد افتتاحه عام 2011 بعد عقد من التجديد يعرض محتوياته بصورة جيدة، وهو مملوء بالقطع التي تجلب الاهتمام. لكن الرسالة السياسية فجة وفيها كثير من الإلحاح. فالمعروضات الخاصة بحرب الأفيون مرفقة بتفسير يقول: ''لقد حطت القوى الإمبريالية على الصين كما يحط سرب من النحل، فنهبت كنوزنا وقتلت أبناء شعبنا''. وتم تخصيص أجزاء واسعة من المساحة للغزو الياباني للصين في ثلاثينيات القرن العشرين، في حين أن الحرب الأهلية الصينية بين الوطنيين والشيوعيين حصلت على مساحات صغيرة نسبياً. وشرح الطالب الذي كان دليلاً لي الأمر بقوله: ''تلك ليست ممتعة للغاية، إنها مجرد أناس صينيين يقاتلون أناساً صينيين''.
إن التعامل مع الصين تحت الحكم الشيوعي يتعرض حتى إلى تعديل وتحوير أكبر من ذلك. إذ يوجد فقط حديث غامض عن ''نكسات'' في السنوات الأولى من حكم الحزب الشيوعي، للإشارة إلى ''القفزة العظمى إلى الأمام'' - المجاعة التي صنعها بنو البشر وأدت إلى مقتل 20 مليون شخص على الأقل. ولا يوجد شيء عن الاضطرابات والرعب، فيما يتعلق بالثورة الثقافية. ولا ذكر لمذبحة ميدان تيانانمين التي حدثت عام 1989.
ومن المثير للانتباه التفكير في كيف يمكن لمتحف حديث للتاريخ الصيني أن يبدو في مرحلة صين ما بعد الشيوعية. لا شك في أن مثل هذا المتحف سيتعاطى مع بعض المآسي التي ألحقها الصينيون بأنفسهم في التاريخ الحديث.
لكن النغمة الوطنية القوية في بقية معرض اليوم يمكن أن تظل صامدة. وكما قال لي أحد أساتذة جامعة بكين ''التأكيد على استغلال الأجانب لن يتغير. هذا ما يتم تعليمه هنا لأي شخص منذ أن يبلغ السادسة من عمره''.
وفي وقت يسعى فيه الأجانب إلى دخول الصين الحديثة، من المهم أن يفهموا كيف تنظر الصين إلى ماضيها. فأي طفل في مدارس الصين يتم تعليمه حرب الأفيون التي شنها البريطانيون. ومن الأمور الغريبة أنني لا أستطيع أن أتذكر ورود هذا الموضوع في تاريخ صفوفي المدرسية في المملكة المتحدة.
ومن شأن دراسة التاريخ الصيني أن تساعد الأجانب كذلك على فهم سياسة الصين الحديثة الغامضة. كانت ثورة ميدان تيانانمين عام 1989 جزءا من تقليد وطني مشرف لانتفاضات الطلبة، تمت خلالها المطالبة بإعادة شباب الأمة. وحدثت أمور مشابهة لذلك في عامي 1919 و1935. وحرّكت تلكما الانتفاضتان ما نظر إليه على أنه إهانة من قبل الأجانب. وتساعد هذه الذكريات التاريخية على تفسير سبب شعور السلطات الصينية بأنها عرضة لاتهامات بأنها أظهرت ضعفاً في التعامل مع العالم الخارجي. ومع ذلك، فإن زيارة للمتحف الوطني تؤكد أن الحكومة الصينية تذكي نيران الشعور الوطني عمداً، باعتباره مصدرا للشرعية السياسية.
وبالتأكيد سيكون من المساعد للزعماء الأجانب أن يعرفوا أكثر عن ماضي الصين للتعامل مع هذا البلد. وفي حين يعرف الأمريكيون والأوروبيون المتعلمون، في العادة، كثيرا عن تاريخ كل منهما، تكاد تكون المعرفة بالماضي الصيني غائبة تماماً.
إن السياسي البريطاني العادي يعرف شيئاً ما عن صفقة أمريكا الجديدة، لكنه لا يعلم شيئاً عن حركة الثقافة الجديدة في الصين. ويعرف، بصورة عامة، معلومات معقولة عن الرئيس لنكولن، لكنه لا يعرف سوى القليل عن سلالة تانغ. والأمور القليلة التي يعرفها الغربيون المتعلمون تتعلق بحقبة حكم ماو - الفترة التي لا تزال الصين تعمل على تلميعها.
ويفيد هذا الأمر بضرورة وجود دراسات تخص الصين، والغرب كذلك. وعلى المدارس في أوروبا وأمريكا بذل المزيد لتعليم الأطفال التاريخ الطويل للصين. وأثناء ذلك، على الصينيين أنفسهم البدء في دراسة تاريخ بلادهم في القرن العشرين بطريقة أكثر نزاهةً وانفتاحاً. وما إن يتعامل الجانبان مع ماضي الصين، فإنهما سيكونان مستعدين بصورة أفضل لمعرفة مستقبل العالم.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار