٢١ ربيع الأول ١٤٣٣

Bloomberg : على الصين تغيير سياستها الخارجية في الشرق الأوسط



بدل ظهور الصين بصورة القوة العالمية التي تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الجميع ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى (على عكس واشنطن)، أدى استعمال حق النقض في نهاية الأسبوع الماضي للاعتراض على قرار معتدل نسبياً يدين النظام السوري إلى إحراج الموقف الصيني.
يشكل قرار الصين باستعمال حق النقض لمنع إدانة النظام السوري في مجلس الأمن أحدث مؤشر على ضرورة إحداث تغيير جذري في السياسة الخارجية الصينية.
لم تعد المسألة الأساسية تتعلق باحتمال تخلي المسؤولين في بكين عن مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى لحماية مصالحهم التوسعية حول العالم، بل يتمحور السؤال الرئيس الآن حول توقيت القيام بذلك التغيير.
انضمت الصين إلى روسيا لمعارضة القرار السوري في نهاية الأسبوع الماضي خوفاً من التداعيات التي يمكن أن تواجهها الصين في حال دعمها قرار الأمم المتحدة الذي يدين الحملة القمعية التي يشنها النظام السوري ضد شعبه، وذلك نظراً إلى طريقة تعامل الصين نفسها مع مواطني التيبت وشعب أويغور المسلم في منطقة شينجيانغ المستقلة.
لكن لطالما تعارض نمو الصين الاقتصادي وحاجتها إلى تأمين الموارد مع سياستها الخارجية القائمة منذ فترة طويلة على مبدأ عدم التدخل. يُطبَّق هذا المبدأ تحديداً في المنطقة الغنية بالموارد والممتدة من الساحل الأطلسي الإفريقي إلى آسيا الوسطى وشبه القارة التي تشهد معظم مناطقها الآن اضطرابات كثيرة.
في السنة الماضية، أدت سلسلة حوادث في تلك المنطقة إلى اختبار سياسة عدم التدخل الصينية، لكن من دون التسبب بأضرار خطيرة تسيء إلى صورة البلد، فبعد اعتراض الصين على قرار الأمم المتحدة المتعلق بالشأن السوري، يبدو أن تصميم الصينيين على التمسك بالمبدأ الذي ترسخ في سياستهم الدبلوماسية منذ القرن التاسع عشر سيترافق مع نتائج عكسية عدة.
الصين في موقف محرج
بدل ظهور الصين بصورة القوة العالمية التي تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الجميع ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى (على عكس الولايات المتحدة)، أدى استعمال حق النقض في نهاية الأسبوع الماضي للاعتراض على قرار معتدل نسبياً يدين النظام السوري إلى إحراج الموقف الصيني. يبدو أن هذا البلد يدعم الآن تلك الدولة المنبوذة دولياً كونها تقمع شعبها بوحشية، وقد يؤدي هذا الموقف إلى توتر علاقات الصين مع أهم مزودي النفط في جامعة الدول العربية التي كانت تدعم قرار الأمم المتحدة.
في الشأن الليبي، تجنبت الصين في البداية هذه المعضلة السياسية. فقد امتنع الصينيون عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يسمح بتنفيذ تدخل عسكري دولي في ليبيا لأسباب إنسانية، ثم اتخذ الدبلوماسيون الصينيون خطوة إضافية، فدعموا قرار مجلس الأمن الذي يفرض حظراً على الأسلحة وعقوبات أخرى على نظام الزعيم الليبي معمر القذافي وأيدوا إحالة ملف حملة القمع التي شنها النظام إلى المحكمة الجنائية الدولية في هايغ.
طورت الصين علاقاتها مع نظام القذافي المحاصر والثوار المتمركزين في بنغازي. غير أن تلك المقاربة المتوازنة لم تمنع الثوار من التهديد بمقاطعة التجارة مع الصين، ولا سيما بعد أن وجدوا وثائق تشير إلى أن شركات الدفاع الصينية ناقشت موضوع التزويد بالأسلحة مع الموالين للقذافي. هذا الأسبوع، زار وفد من وزارة التجارة الصينية ليبيا في محاولةٍ للتعويض عن بعض الخسائر التي تكبدتها الصين (أكبر متعاقدة خارجية مع ليبيا) في السنة الماضية بعد إجلاء 35 ألف عامل كانوا ينشطون بموجب عقود بقيمة 18.8 مليار دولار.
لا شك أن الثورة العربية ستُجبر الصين على مراجعة سياسة عدم التدخل وشروط العمل المطبقة في الشركات الصينية. مع إصرار الحكومات الجديدة والقديمة في المنطقة على تخفيض معدل البطالة (السبب الأساسي للثورات)، من المتوقع أن تطالب السلطات في ليبيا وأماكن أخرى بأن توظف شركات البناء الصينية عمالاً محليين بدل الاستعانة باليد العاملة الخارجية.
انتقادات وسائل الإعلام الاجتماعية
تعرضت السلطات الصينية للانتقادات مرتين في الأيام الأخيرة عبر وسائل الإعلام الاجتماعية المحلية بسبب عجز الحكومة عن حماية العمال في الخارج، وذلك بعد خطف 29 مواطناً صينياً على يد الثوار في محافظة جنوب كردفان في بلد السودان المضطرب، فضلاً عن خطف 25 آخرين على يد القبائل البدوية في صحراء سيناء في مصر. فاعتبر النقاد أن الصين، باعتبارها قوة عظمى، يجب أن تفرض سيطرتها الاقتصادية والعسكرية لدعم كل من يجازف بحياته خدمةً للمصلحة الوطنية (مثلما أرسلت الولايات المتحدة قواتها لإنقاذ رهينتين في الصومال).
لكن سرعان ما عمد مقص الرقابة إلى حذف هذه الانتقادات من وسائل الإعلام الاجتماعية لأنها تتناول قضية حساسة. لم تعد سياسة كسب الأصدقاء اقتصادياً بدل كسب الأعداء من خلال استعمال الإمكانات العسكرية فاعلة اليوم تزامناً مع رفض الصين الظهور بصورة الدولة الضعيفة. لقد أصبحت الكرامة الوطنية على المحك. أدت هذه المعضلة إلى انتشار جدل عام، فاعتبرت وسائل الإعلام الرسمية أن الصين تحتاج إلى الوقت لبناء الإمكانات العسكرية اللازمة للتدخل عندما يتعرض مواطنوها للخطر، بينما اعتبر آخرون أن جمود الصين قد يشجع على تنفيذ اعتداءات إضافية.
ستتضح الحاجة إلى مراجعة المقاربة المطبقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلاً عن بلدان أخرى مثل باكستان وأفغانستان، بينما تعزز الصين استثماراتها في دول آسيا الوسطى وجنوب آسيا قبل انسحاب القوات الأميركية في عام 2014 من أفغانستان حيث حصلت الصين على حقوق استيراد النفط والنحاس.
قد تتنامى الضغوط ومطالب التغيير بسبب التقارير الأخيرة التي ذكرت أن الصين تفكر بإنشاء قواعد عسكرية في المناطق القبلية الشمالية الغربية التي تشكل معقلاً للمتمردين في باكستان، بالقرب من الحدود مع أفغانستان، بالإضافة إلى بناء قاعدة بحرية في ميناء غوادر في بلوشيستان. حمّلت الصين “حركة شرق تركيستان الإسلامية”، مركزها باكستان، مسؤولية اعتداءات السنة الماضية في مدينة كاشغر في شينجيانغ. يُعتبر هزم هذه الحركة عاملاً أساسياً لتنفيذ خطط الصين الرامية إلى الحفاظ على تجارة إقليمية مربحة وضمان تدفق مصادر الطاقة، وقد يدفع إنشاء القواعد في باكستان بالصين إلى الاضطلاع بدور الشرطة المحلية.إذا كان تغيير السياسة الخارجية الصينية يستلزم حدثاً معيناً، فقد يكون اليمن البلد الذي سيُشعل الأحداث. بما أن تجارة الصين مع أوروبا تبلغ 355 مليار دولار ويمر ربع صادرات الصين عبر باب المندب (مضيق يفصل بين اليمن والصومال وجيبوتي)، لا تستطيع الصين تحمّل انهيار حكم القانون والنظام في اليمن. يواجه هذا البلد المتدهور تهديدات عدة، بما في ذلك ظهور حركة تمرد تابعة لتنظيم “القاعدة”، بعد أن أجبرت الاحتجاجات الحاشدة والتقاتل الداخلي الرئيس علي عبدالله صالح على الاستقالة، ما مهّد الطريق أمام إجراء انتخابات جديدة في وقت لاحق من هذا الشهر.
خرق سابق لعدم التدخل
سبق أن خرقت الصين سياسة عدم التدخل نتيجة الضغوط التي تعرضت لها في الماضي القريب. وكان نشر السفن البحرية على ساحل الصومال لمواجهة القراصنة أول مغامرة صينية من هذا النوع.
لكن نظراً إلى مكانة الصين كقوة اقتصادية ناشئة، لا بد من أن تصبح لاعبة عالمية نافذة لخدمة مصالحها، وسيعني ذلك اتخاذ مواقف محددة من النزاعات المحلية والصراعات القائمة حول العالم كونها تؤثر في مصالح الصين العالمية وأمنها القومي، ويجب أن تكون تلك المواقف مختلفة تماماً عن الموقف الذي تبنّته في الشأن السوري. كذلك، ستحتاج الصين إلى الإبقاء على قواعد عسكرية في مناطق أساسية للتماشي مع تزايد الطلب الصيني على الموارد الطبيعية وتلبية الدعوات المحلية إلى ضمان سلامة مواطنيها في الخارج.
باختصار، ستضطر الصين إلى استعمال الأدوات نفسها التي استخدمتها الولايات المتحدة، مع تحمل مخاطر السياسة الخارجية المبنية على خدمة المصالح الخاصة والتي تكون متناقضة في بعض الأحيان


أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار