١٢ ربيع الأول ١٤٣٣

الصين و هجوم القوة الناعمة في تايوان


يوريكو كويكي

إن سلوك الصين أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تايوان يشير إلى أن قادتها قد تعلموا بعض الدروس، ولو بالطريق الصعب . فقد أدركوا أن الصين قادرة على التأثير بشكل أكبر في الناخبين التايوانيين من خلال التجارة وبجعل الناس في تايوان يشعرون بأنهم أكثر ثراءً وليس بالتهديدات  حتى التهديدات بإطلاق الصواريخ  التي اتخذتها الصين أسلوب التكتيك المفضل في انتخابات تايوانية أخرى حديثة، وخاصة عندما يبدو المرشح المؤيد للاستقلال وكأنه يتمتع بالقدر الكافي من الشعبية للفوز .

والواقع أن جيش التحرير الشعبي الصيني أطلق بالفعل بعض الصواريخ التي سقطت على ساحل كيلونغ القريب، خوفاً من شعبية لي تينغ هوي الذي خاض انتخابات 1996 الرئاسية ببرنامج مؤيد للاستقلال . ولكن ذلك التكتيك العدواني أتى بنتائج عكسية، حيث فاز لي تينغ هوي .

كانت الانتخابات الرئاسية التي جرت في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني مثل خطوة أولى من انتقال السلطة في الصين وتايوان، والتي من المقرر أن تجري هذا العام . ففي وقت لاحق من هذا العام، سوف يخلف الرئيس الصيني هو جين تاو ورئيس الوزراء ون جيا باو رجلان اختارهما الحزب الشيوعي بالفعل قبل فترة طويلة . ويبدو أن تجنب أي توترات جديدة مع تايوان كان قائماً على قرار محسوب اتخذه قادة الصين مع بداية “تغيير الحرس” في الصين الذي ربما لم يُحسَم بالكامل بعد .

كانت الانتخابات الرئاسية في تايوان تجتذب الاهتمام العالمي لمدة تقرب من العشرين عاماً، ليس فقط لما تتمتع به ثقافة الديمقراطية من قوة في تايوان، بل وأيضاً بسبب السؤال السرمدي عمّا إذا كان الفائز قد يسعى إلى الحصول على الاستقلال الرسمي لتايوان . وهذه المرة، شنت تساي إنغ ون، المرأة المرشحة عن الحزب التقدمي الديمقراطي المعارض، شنت هجوماً متأخراً على زعيم حزب الكومينتانغ الحاكم ما يينغ جيو . ولكن الصين لم تهدد وتتوعد مع صعود تساي في استطلاعات الرأي .

بل إن الصين بذلت بدلاً من ذلك قصارى جهدها لدعم ما يينغ جيو الذي أشرف على تعظيم العلاقات الاقتصادية مع البر الرئيس . على سبيل المثال، قدمت الصين تذاكر طيران رخيصة لما يقرب من 400 ألف مواطن من أصل مليون تايواني يعيشون على البر الرئيس لتمكينهم من العودة للإدلاء بأصواتهم . ونظراً لفوز ما يينغ جيو بنحو 800 ألف صوت، فإن ذلك التكتيك ربما لم يكن حاسماً، ولكنه لعب على الأرجح دوراً كبيراً في تحديد النتيجة .

ومن عجيب المفارقات أن الأداء القوي الذي أبداه جيمس سونغ تشو يو مرشح “حزب الشعب أولاً”، الذي انشق عن “حزب الكومينتانغ”، ساعد ما يينغ جيو من خلال إعطاء الناخبين بديلاً ثانياً له . كما لعبت التعليمات الأمريكية الهادئة لكل المرشحين بتجنب الاستفزازات القومية دوراً في تخفيف التوترات مع الصين بكل تأكيد  وهو عامل آخر ربما استفاد منه ما يينغ جيو .

وكجزء من النهج “الناعم” الجديد في تعامل الصين مع تايوان، أكد ون جيا باو على “الاعتراف بمصالح” تايوان . ويبدو أن هذا النهج كان مثمراً في جنوب تايوان، معقل الحزب التقدمي الديمقراطي . فقد تمكن المزارعون وصيادو السمك في جنوبي تايوان، بفضل اتفاقية التعاون الاقتصادي الإطارية بين الصين وتايوان، من تحقيق الازدهار من خلال بيع المنتجات الزراعية والسمكية للسوق الصينية الهائلة الحجم، وبهذا حصل ا”لكومينتانغ” على قدر أعلى من التأييد في المنطقة مقارنة بالانتخابات السابقة .

لا شك أن تعزيز التفاعل الاقتصادي مع تايوان ليس الهدف النهائي للصين، بل إن الهدف هو الوحدة، ويبدو أن الحكومة الصينية تعتقد أن انتصار ما يينغ جيو يشكل خطوة في هذا الاتجاه .

ولكن التكامل الاقتصادي أمر، والتكامل السياسي أمر مختلف تماماً . فبعد أن شهدوا فوائد الديمقراطية والحرية، فمن غير المرجح أن يرغب أهل تايوان في القبول بأي شيء أقل من المجتمع المفتوح الذي يتمتعون به اليوم . بل إن المواطن الصيني العادي قد يحسد الشعب التايواني على الديمقراطية الحديثة التي بناها في ظل التواصل المتزايد بين تايوان والبر الرئيس، بل قد تنتشر فكرة المجتمع المفتوح إلى البر الرئيس الصيني . ويتعين على ما يينغ جيو في ولايته الثانية أن يلعب دور المبشر بالديمقراطية في الصين .

الآن تسعى الصين إلى تنفيذ خمس سياسات من منطلق إدراكها لهذا “الخطر” . الأولى تتلخص في توسيع نطاق اتفاقية التعاون الاقتصادي الإطارية بين الصين وتايوان، بحيث يشعر عدد متزايد من الشركات التايوانية بفوائدها . ثانياً، وعلى نحو مماثل، سوف تحاول الصين زعزعة قاعدة الحزب التقدمي الديمقراطي من خلال التركيز بشكل أكبر على استهداف المصالح التجارية للمزارعين وصيادي السمك في جنوب تايوان . وثالثاً، سوف تؤكد الصين الحرص على الثقافة الصينية المشتركة من أجل الحد من مخاوف التايوانيين من الوحدة . ويتمثل الهدف الرابع في كسب المشرعين الشباب المنتخبين أثناء هذه الانتخابات الرئاسية إلى جانبها . وأخيراً، سوف تسعى الصين إلى منع استخدام اسم “تايوان” وإرغام المجتمع الدولي على استخدام الاسم الصعب “تايبيه الصينية” .

ولكن القضية الأكبر التي تؤثر في العلاقات عبر المضيق هي الاقتصاد الصيني ذاته . ذلك أن بوادر تراجع الاقتصاد الصيني التي تجلت في انخفاض النمو عن نسبة 10% التي تجاوزتها الصين لعقود من الزمان، من شأنها أن تؤثر في كل سياساتها في التعامل مع تايوان . عندما سجلت بورصة شنغهاي للأوراق المالية هبوطاً بلغ 20% في العام الماضي، هبطت الأسهم التايوانية بنسبة مماثلة في الوقت نفسه تقريباً، وهو ما يدلل على مدى الارتباط الذي أصبح بين الاقتصاد الصيني والتايواني . ولن تتمكن الصين من تحقيق غاياتها إذا انهارت الربحية المترتبة على هذا الارتباط .

هل تصبح تايوان إذاً، أقرب إلى البر الرئيس أم العكس؟ الواقع أن طرح هذه المسألة يعيد إلى الأذهان المناقشة التي دارت عندما عادت هونغ كونغ وماكاو إلى الصين، ولكن هذا نادراً ما نواجهه هذه الأيام . وإذا كان لأي تحركات جادة نحو الوحدة أن تغير هذه الحقيقة فإن هذا يتوقف على مدى فعالية نهج القوة الناعمة الذي تتبناه الصين الذي لا يجوز أن يقتصر على جاذبية اقتصادها فحسب إذا كان له أن ينجح في تحقيق المراد منه 
* وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي في اليابان سابقاً

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار