١٢ ربيع الأول ١٤٣٣

روسيا والصين مع سوريا...لماذا؟


محمد السماك
منذ أن بدأت الأزمة السورية قبل أكثر من أحد عشر شهراً لا تزال علامة استفهام كبيرة تحيط بالموقفين الروسي و الصيني .
لماذا تعارض موسكو وبكين إدانة النظام في سوريا؟ ولماذا تدافعان عنه؟ وما السبب الذي يجعلهما ترفضان من حيث المبدأ تغيير النظام أو إبداء أي شكل من أشكال التعاطف مع حركة التغيير (أو الثورة) السورية ؟ و لماذا تشهران سلاح النقض في وجه أي مشروع لإدانة النظام أو رئيسه أمام مجلس الأمن الدولي؟ تتطلب محاولة الإجابة على هذه الأسئلة التوقف أمام الأوضاع الداخلية في كل من روسيا والصين.
بالنسبة لروسيا فإن أي موقف متعاطف مع الشعب السوري أو متفهم لمطالبه في الإصلاح السياسي يدين سلوك الكرملين في الشيشان . فالحركة الوطنية الشيشانية تعرضت لقمع عسكري دامٍ ومدمر على مدى سنوات طويلة. ولذلك فإن الكرملين لا يستطيع أن يقدم إلى الشعب في سوريا ما رفض تقديمه إلى الشعب في الشيشان. ولو أنه فعل ذلك لأدان سياسته الداخلية وربما حرك ضد تسلطه حركات تحرير عديدة أخرى في مناطق القوقاز.
ثم إن الكرملين لا يخفي قلقه من تمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً حتى وصل إلى حدود الاتحاد الروسي. والمنظومات الصاروخية المتطورة التي أقامتها الولايات المتحدة في بولندا وتشيكيا تشكل تهديداً بل خطراً على العمق الروسي. ولذلك فإن من مصلحة الكرملين أن يلتف على هذا التمدد بالاحتفاظ بموقع متقدم له في شرق المتوسط: طرطوس السورية، وأن يتمسك بنظام سياسي حليف له ومتعاون معه.
ولن ينسى الروس عمليات الدعم السياسي والعسكري والإعلامي التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها -وخاصة إسرائيل- إلى جورجيا عندما نشبت بين الدولتين حرب محدودة حسمها التفوق الذي تتمتع به القوات العسكرية الروسية عدديّاً وتقنيّاً. ولو أن التمرد الجيورجي حقق أهدافه لتفشت ظاهرة التمرد على روسيا في العديد من دول الجوار القريب.. وحتى في العمق الروسي ذاته أيضاً.
و ينظر الكرملين بقلق كبير إلى محطات المراقبة والرصد الإلكتروني المتطورة جداً التي أقامتها الولايات المتحدة في تركيا بحجة التصدي لخطر محتمل من الصواريخ الإيرانية التي قد تستهدف حلفاءها في أوروبا. ويرى الكرملين أنه هو المستهدف غير المعلن من هذه المحطات. ذلك أن إقامة مرابض للصواريخ المتطورة في بولندا وتشيكيا تتكامل مع إقامة محطات المراقبة في تركيا.
و كذلك فإن الكرملين لا يزال يواجه تداعيات ما يعتبره تحريضاً غربيّاً -وأميركيّاً بصورة خاصة- للطعن في نزاهة الانتخابات العامة التي أدت، حسب النتائج الرسمية، إلى فوز بوتين وحزبه بالأكثرية المطلقة في "الدوما" -البرلمان- مما سيمكن بوتين من العودة مرة جديدة إلى الكرملين خلفاً للرئيس الحالي ميدفيديف.
ومن هنا فإن الكرملين يحتاج إلى أوراق للمساومة عليها من أجل تفكيك هذا الحصار السياسي- العسكري الذي يضيق الخناق عليه. ومن جملة هذه الأوراق، الورقة السورية. لقد فقدَ الكرملين كل الأوراق الأخرى في المنطقة التي كان يمسك بها، منها الورقة العراقية (نظام صدام) والورقة الليبية (القذافي)، وقبل ذلك الورقة المصرية التي مزقها السادات. وحتى الورقة الفلسطينية على ضعفها لم تعد بيده، ولا حتى الورقة اليمنية (نظام صالح)، ولذلك فإنه ليس من المنطقي أن يتخلى عن الورقة السورية. فالتغيير في سوريا لا يمكن أن يضمن له استمرار المحافظة على مصالحه الاستراتيجية!
أما بالنسبة للصين، فإن الوضع ليس مختلفاً كثيراً. ذلك أن الصين تواجه حركتي معارضة في التيبت (حركة بوذية بزعامة الدلاي لاما)، وفي شينجيانج (حركة إسلامية لا زعيم لها). وتمارس الصين القوة العسكرية في مواجهة الحركتين. ولذلك فإنها لا تستطيع أن تتجاوب مع مطالب حركة التغيير في سوريا فيما هي ترفض حركتي التغيير في التيبت و شينجيانج . ولقد سبق أن قمعت الصين حركة تغيير داخلية في عام 1989 جرت في قلب العاصمة بكين، وذلك عندما اعتصم في ساحة "تيانامين" عشرات الآلاف من الصينيين مطالبين بإصلاحات سياسية و اجتماعية؛ وعلى رغم تجاوب المجتمع الدولي مع تلك الحركة إلى حد فرض عقوبات على الصين وعزلها، فقد تمكنت القوات العسكرية من السيطرة بالقوة على الوضع و من تحرير الساحة واعتقال مئات المحتجين. ولذلك وانسجاماً مع نفسها، فإن الصين لن تعطي الشعب السوري ما لم تعطه الشعب الصيني نفسه.
ثم إن الصين تبدي قلقاً متزايداً من عملية الالتفاف عليها التي تقوم بها الولايات المتحدة عبر آسيا لفرض هيمنتها على المنطقة تحت شعار "التحول من الأطلسي إلى الباسيفيكي"، وهو التحوّل الذي أعلنه أوباما.
كما أن الصين تشعر بالقلق من استمرار الهيمنة الأميركية سياسيّاً وعسكريّاً على "الصين الوطنية" وعلى تحويلها إلى حاملة طائرات مستنفرة في وجه بكين. وكذلك تشكك الصين في نوايا الهند التي تدعمها الولايات المتحدة عسكريّاً ونوويّاً وتقيم معها تحالفاً سياسيّاً. و هي تنظر إلى هذا التحالف في بعده الاستراتيجي على أنه يستهدفها مباشرة، وأن العداء الهندي- الباكستاني هو مجرد غطاء واهٍ له.
ومن أجل ذلك فإن الصين التي تحتاج ثورتها الصناعية إلى المزيد من مصادر الطاقة ترفض المشاركة في حظر استيراد النفط الإيراني، و ترفض تاليّاً ضرب المحور الإيراني- السوري. و هي ترفض كذلك تقديم هدية مجانية للولايات المتحدة، على حساب مصالحها القومية و الاقتصادية الاستراتيجية.
ومن هنا، وفي ضوء استمرار المعادلات الحالية، فإن من العبث توقع أي تغيير في الموقفين الروسي والصيني من القضية السورية، سواء من داخل مجلس الأمن الدولي أو من خارجه.
غير أنه يمكن لهذه المعادلات أن تتغير عندما تجد كل من روسيا والصين نفسيهما أمام خيار حاسم: إما سوريا أو المنطقة العربية.
وحتى الآن فإن مثل هذا الخيار ليس مطروحاً. فروسيا باعت سوريا أسلحة جديدة بقيمة 550 مليون دولار. وأرسلت قطعاً من أسطولها البحري إلى شرق المتوسط.. حتى بانياس.
والصين جددت عقد استيراد النفط مع إيران في الوقت الذي صدر قرار الاتحاد الأوروبي بمقاطعة النفط الإيراني، والدولتان، روسيا والصين، أشهرتا سلاح الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار عربي- أوروبي مشترك.
وقد أدى هذا الأمر إلى انخفاض حاد في سقف توقعات الحل السياسي. الأمر الذي يطرح علامة الاستفهام الكبيرة والخطيرة.. ماذا بعد ؟!

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار