١١ ربيع الأول ١٤٣٣

النبي محمد في الثقافة الصينية


بقلم: وليد عبدالله - باحث تونسي مقيم ببكين
يحتفل المسلمون يوم السبت 4- فبراير\ 12 ربيع الأول، بالمولد النبوي الشريف، هذا اليوم يسعد فيه كل مسلم بتذكر أخلاق و فضائل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، لكن يأسف كل مسلم أيضا في هذا اليوم كما في سائر الأيام عند تذكر ما لقيه النبي محمد من أذى من العديد من الأوساط الإعلامية والثقافية الغربية خلال السنوات الأخيرة، التي لم تبالي بمشاعر المسلمين.
هذا الموقف السلبي للثقافة الغربية تجاه النبي محمد يقابله موقف إيجابي من الثقافة الصينية تجاه نبينا الكريم، إذ في حين تضمنت الكثير من الأدبيات الغربية تهكمات على النبي محمد ظلت الثقافة الصينية تعتبره أحد رموز الفضيلة والأخلاق في العالم، وظلت صورته في الثقافة الصينية نقية طاهرة لم تخدش.
و تبدأ قصة النبي محمد مع الثقافة الصينية مع إحدى الروايات الشعبية التي تتعلق بالإمبراطور الصيني لي شه مينغ ( 599-649 م) أحد أباطرة أسرة تانغ الملكية (618- 907 م) والذي يعد أحد أشهر الأباطرة الذين حكموا الصين، حيث بلغت الصين تحت حكمه أوج قوتها. وتقول هذه الرواية أن الإمبراطور لي شه مينغ حلم ذات ليلة بنجم يلمع في السماء، وفي الصباح طلب من أحد وزرائه أن يفسر له هذا الحلم، فقال له بأن النجم الذي رآه هو النبي الذي أرسل إلى بلاد العرب، فأرسل الإمبراطور لي شه مينغ رسولا إلى النبي محمد يدعوه للمجيء إلى الصين لنشر الدين، و تقول هذه الرواية بأن النبي محمد تعذر عليه المجئ و أرسل ثلاثة رسل إلى الإمبراطور توفي إثنان منهما بسبب مشقة السفر و وصل الثالث بعد عناء سفر طويل فإلتقى الإمبراطور لي شه مينغ فسأله عن النبي و عن الإسلام ثم أكرمه وأمر له ببناء مسجد للصلاة ونشر الإسلام.
أما الرواية الثانية لهذه الحادثة فقد أوردها العالم الصيني المسلم ما جيان (محمد ماكين) في كتابه "ملامح الدين الإسلامي في الصين"، وتقول تفاصيلها أن الإمبراطور الصيني لي شه مينغ رأى في المنام وحشا مخيفا يريد أن يفترسه، وعند اقتراب الوحش منه ظهر رجل يلبس رداءا أخضرا و عمامة بيضاء وفي يده مسبحة وقام بطرد الوحش بعيدا، وفي الصباح حدث الإمبراطور وزرائه بما رأى في المنام و إستفتاهم في هذه الرؤية، فقال أحدهم "إن الوحش هو خطر ما يهدد دولتنا، و أما الرجل فهو النبي الذي ظهر في بلاد العرب، و إن بلادنا لفي حاجة له لتحقيق الأمن والإستقرار" فأرسل الإمبراطور لي شه مينغ رسولا إلى النبي محمد يطلب منه بعث رسولا إليه لنشر الإسلام .
هذه الرواية رغم أنها لاتكتسي قيمة تاريخية كبرى عند المؤرخين المهتمين بدراسة تاريخ الإسلام في الصين، إلا أنها تحتوي على بعدا ثقافيا هاما حيث تنم عن حسن نية الثقافة الصينية بالإسلام و النبي محمد، وهذه حقيقة يلمسها الباحث في التاريخ والثقافة الصينية التقليدية.
و يروي أبو زيد حسن في كتاب "أخبار الصين والهند"، أن رجلا عربيا يدعى إبن الوهاب وصل إلى مدينة تشانغ آن عاصمة إمبراطورية أسرة تانغ (مدينة شي آن حاليا) في 257 هـ\ 870 م و إلتقى الإمبراطور الصيني لي تسوي (833- 873 م)، وخلال اللقاء أخرج الإمبراطور مجموعة من الصور و طلب من إبن الوهاب أن يتعرف على صورة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فتعرف إبن الوهاب على صورة النبي موسى مستندا إلى عصاه، وتعرف على النبي عيسى يركب حمارا، ثم تعرف على النبي محمد يركب ناقته. بعد ذلك وجه له الإمبراطور جملة من الأسئلة عن تعاليم وعقيدة الإسلام. وهذا يدل على أن الأباطرة الصينيين في ذلك الوقت كانوا مهتمين بما يدعو إليه النبي محمد و كانت لهم دراية ومعرفة بالإسلام، كما يعكس من جهة أخرى تسامح الثقافة الصينية وقبولها للآخر و احترامها لرموز الفضيلة والأخلاق في العالم. 
لكن تبقى أكثر الأشياء ذكرا وتداولا في الثقافة الصينية عن النبي محمد هو حديث "أطلبوا العلم و لوفي الصين" الذي إختلف حوله علماء الحديث فمنهم من ضعفه ومنهم من أدرجه في منكر الحديث. هذا الحديث يعرفه عامة الصينيين، وقد يخبرك به أستاذك أو صديقك أو حتى من تتعرف عليه صدفة في محطة المترو و الأماكن العامة، وما إن تضع هذا الحديث على محركات البحث الصينية حتى تخرج لك أعدادا لاتحصى من المقالات و الحوارت التي تناقش و تحلل هذا الحديث، و عموما يمثل هذا الحديث مصدر فخر للصينيين و يرونه شهادة ثمينة من رجل فاضل و حكيم في حق ثقافتهم، كما يرون في ذلك الإحترام والتقدير الذي يوليه الإسلام للحضارة الصينية. 
قد لانبالغ إذا قلنا أن المجتمع الصيني يحمل الصوة الأكثر إيجابية عن الإسلام عموما وعن النبي محمد خصوصا من بين جميع مجتمعات العالم، ورغم الحملة الغربية الشرسة على الإسلام والمقدسات الإسلامية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، إلا أن ذلك لم يؤثر في نظرة الصينيين للإسلام والمقدسات الإسلامية مثلما تأثرت بعض الشعوب الأخرى المجاورة للصين. لكن يبقى من واجبنا كمسلمين التحلي بأخلاق النبي محمد، و أن نكون خير مرآة لمبادئه و أخلاقه ونعرف العالم على فضيلته و حكمته، لتكون نظرة الثقافة الصينية إليه هي الأصل في هذا العالم ومايبدر عن بعض الجهات الغربية من إساءة له هي الإستثناء، وهذا ربما مايجب أن يتذكره كل مسلم في ذكرى مولد النبي محمد (صلوات الله وسلامه عليه).

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار