٢٩ ربيع الأول ١٤٣٣

مناخ الصين السياسي يعيش أوضاعاً متوترة


منذ مئة عام، في 12 فبراير 1912، تنازل الطفل الإمبراطور من سلالة كينغ البالغ من العمر 6 سنوات عن العرش، منهيا أكثر من ألفي سنة من الحكم الإمبراطوري في الصين. لكن تلك اللحظة الفاصلة في تاريخ الصين الحديث لن يـُحتفى بها على نطاق واسع في الجمهورية الشعبية. فالمناخ السياسي في بكين يعيش أوضاعا متوترة في الوقت الذي يستعد الحزب الشيوعي الحاكم لعلمية انتقال سرية إلى جيل القادة الجدد، مع توقع تولي نائب الرئيس كسي جين بينغ، منصب رئيس البلاد. وعلى هذا الأساس، فإن التذكير بتغيير الأنظمة السابقة ونهاية السلالات ليس أمراً مرحبا به في هذه الفترة.
بالطبع، الحكومة الحالية لديها القليل لتخشاه من عبرة عام 1912، فسلالة كينغ التي تم تأسيسها عام 1644 من قبل قبائل المانشو التي غزت الصين من الشمال سقطت بدفع من حركة ثورية عالية التنظيم بتسليح وتمويل من الخارج وأيديولوجية حاكمة متماسكة قائمة على الوطنية الجمهورية.
اضطراب هائل
والحزب الشيوعي اليوم لا يواجه شيئا من هذا القبيل، لكنه، في المقابل، يواجه حالة من الاضطراب الهائل الذي بدأت تظهر بوادره في المناطق الريفية. والجانب المظلم للصعود الاقتصادي للصين كان التوسيع المخيف في الفجوة ما بين ساحل مزدهر وداخل الفقير، وتفشي الفساد بين المسؤولين المحليين، وانتشار الغضب والاستياء بين الناس. ولقد أقرت الحكومة بعشرات الألوف من «حوادث القتل الجماعي» سنويا، وهذه الحوادث يمكن أن تتراوح من احتجاج بضعة أرامل مسنات على عملية استيلاء على الأراضي، إلى احتجاج مجتمعات كاملة في ثورة مفتوحة كما حصل في قرية وكان الجنوبية، وانتهاء باضطرابات عرقية مهلكة، كما حصل في السنوات الأخيرة بين سكان التبت وفي غربي إقليم كسين جيانغ وداخل منغوليا.
لكن الاحتجاجات التي تحمل لهجة التحذير الأقوى بالنسبة للحكومة الحالية، تتمثل في اندلاع ثورة تشبه ثورة الـ«تايبنغ» التي كادت أن تسقط سلالة كينغ. وهذه الثورة التي حصدت أرواح 20 مليون نسمة على الأقل قبل أن تهدأ، مما يجعلها الحرب الأهلية الأكثر دموية في التاريخ، تدعو إلى توخي الحذر من تعليق أي أمل على انتفاضة شعبية، ما يشبه ربيعاً صينياً اليوم.
اندلع عصيان تايبنغ جنوب الصين خلال أوائل خمسينات القرن التاسع عشر، في فترة تميزت بتفكك اقتصادي وفساد وفراغ أخلاقي. وما كان مميزا ومقلقا في ثورة تابينغ هو أنها انتشرت بقدر كبير من السرعة والعفوية. ولم تستند إلى أرضية تمهيدية ثورية يحضر لها لسنوات، كما الثورة التي أسقطت الملكية عام 1012 أو ثورة 1949 التي أوصلت الشيوعيين إلى السلطة. وعلى الرغم من ان اتباع ديانة هونغ شكلت نواة هذه الثورة، إلا أن الثورة ما ان كسرت الحصار الإمبراطوري وتوجهت إلى الشمال، حتى انضم إلى صفوفها مئات الألوف من الفلاحين، عمال مناجم عاطلين عن العمل، وفلاحين معدمين وعصابات من المجرمين وكل أشكال المتذمرين، جميعهم التحقوا بهذا الجيش الجرار الذي بحلول عام 1853 كان يحوي حوالي نصف مليون مجند.
ولقد استولت ثورة تايبنغ على مدينة نانجينغ في تلك السنة، وذبحت كل سكانها المنتمين الى المانشو، واحتفظت بالمدينة كعاصمتها وقاعدتها حتى انتهاء الحرب الأهلية.
وكان طلاب المدارس في الصين في خمسينات وستينات القرن الماضي يدرسون ثورة تابينغ باعتبارها مقدمة لثورة الحزب الشيوعي، وزعيمها هونغ باعتباره المرجع الروحي لماو تسي تونغ. وهذه المقارنة سقطت حيث لم تعد الحكومة الصينية ذات طابع ثوري على الإطلاق. وبالتالي، حصل تغيير في السنوات الأخيرة، فجرى تصوير ثورة تايبنغ بأنها ارتكبت الخرافات والعنف الطائفي، وبأنها شكلت تهديدا للنظام الاجتماعي. أما زنج جوفان، الجنرال الصيني الذي قمعها، فقد أصبح احد أكثر الشخصيات التاريخية شعبية في الصين بعد أن كان يتلقى اللعنات كخائن بسبب دعمه المانشو.
بكين والدراسات السابقة
لقد تعلمت بكين من دروسها السابقة. ويمكن رؤية هذا الأمر في القمع السريع والوحشي لأتباع حركة فالون غونغ. ويمكن رؤيته أيضا في عدد «حوادث التجمعات»، حيث تشير إحدى التقديرات إلى 180 الف حادثة من هذا النوع في عام 2010 وهذا الرقم يبدو نذير شؤم. لكن الرقم بحد ذاته يظهر بأن المعارضة غير منظمة ولم يلتئم شملها بعد لتشكل تهديدا للدولة. والحزب الشيوعي الصيني يفضل بدلا من مواجهة انتفاضة موحدة وتزداد قوة، مواجهة عشرات أو حتى مئات الألوف من هذه الحوادث المشتتة صغيرة الحجم. والخوف الأكبر للحكومة ليس حصول حوادث عنيفة، وإنما الخوف من أن تلتئم هذه الحوادث في انتفاضة واحدة.
وحسب الصحيفة «قد لا نكون بعيدين عن هذا المشهد كثيرا، ونظرا لوضع اقتصادنا غير المستقر اليوم، واعتماد أميركا الوجودي تقريبا على التجارة مع الصين، يطرح تساؤل اليوم: إذا واجهت الصين ثورة في الداخل، بما في ذلك ثورة بقيادة تحالف يدعو إلى المزيد من الديمقراطية، فما هو احتمال أن لا نجد أنفسنا في نهاية المطاف أيضا نتمنى فشل تلك الثورة، على الرغم من كل الإدانة المبدئية للحكومة الصينية على أسس الحقوق السياسية وحقوق الإنسان؟».
 توخي الحذر
 يجب توخي الحذر مما نتمنى حدوثه في الصين. فمع كل الازدراء الغربي بالحكومة الصينية في القرن التاسع عشر، فإن بريطانيا هي التي تدخلت لإبقائها في السلطة عندما دفعتها ثورة تايبنغ إلى شفا الهاوية. كان الاقتصاد البريطاني يعتمد بشكل كبير على السوق الصيني في ذلك الوقت، لاسيما بعد خسارة السوق الأميركي مع اندلاع الحرب الأهلية الأميركية عام 1961، ولم تكن بريطانيا قادرة على تحمل المخاطر التي يمكن ان تنتج عن انتصار الثوار. وبتشجيع من أميركا، قام البريطانيون بتزويد حكومة المانشو بالأسلحة، وساعدوا في نهاية المطاف في ترجيح كفة الحرب لصالحها.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار