١٧ ربيع الأول ١٤٣٣

الفيتو الروسي الصيني المشترك.. معانٍ ودلالات؟


صياح عزام 
إن الفيتو الجديد الذي استعملته روسيا والصين في مجلس الأمن مؤخراً له دلالات وأبعاد عميقة، حيث يؤكد بشكل واضح أن عهد الانفراد الأميركي بقيادة العالم قد انتهى وأن العالم دخل عهد القطبية المتعددة، لقد كان بإمكان إحدى الدولتين منفردة أن تستخدم حق النقض «الفيتو» لإسقاط القرار الأميركي الغربي العربي العدواني ضد سورية، والذي أعدته العواصم الغربية بما في ذلك واشنطن طبعاً، أخرج بواجهة عربية للتضليل والخداع، إلا أن موسكو وبكين رغبتا معاً في أن تدشنا العهد الدولي الجديد بصورة مشتركة عبر البوابة السورية، وهذا هو الفيتو الثاني الروسي الصيني المشترك.

تغيير ملموس

إذاً، لم يعد مجلس الأمن حصان طروادة، وأشبه ما يكون بدائرة من دوائر وزارة الخارجية الأميركية تستخدمه واشنطن متى تشأ، وفي المكان الذي تريد لتغطية سياساتها العدوانية لهذا السبب انفعلت المندوبة الأميركية في هيئة الأمم المتحدة «رايس» عندما قالت بشكل فجّ ومتغطرس وحاقد عن الفيتو الروسي الصيني: «إنه جعلها تشعر بالاشمئزاز»، واشمأزت أكثر فأكثر عندما ذكرها المندوب السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري بأن بلادها استخدمت الفيتو 63 مرة لتغطية الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والعرب، وبأن هذا الاستخدام هو عمل طيب يدعو للإشادة به وتقديره، من وجهة النظر الأميركية.
إن روسيا الآن دولة ناهضة ومتقدمة اقتصادياً فمعدل النمو فيها جيد، وتمتلك وفرة من الأرصدة المالية ومن احتياطات الذهب، إضافة إلى ثرواتها المتعددة الأخرى، كما أنها تعد الشريان الأساسي الذي يزود أوروبا كلها بالغاز وبالنفط، وبالتوازي مع ذلك فهي تعمل ليل نهار وبكل جد ووضوح ووفق سياسة علنية لاستعادة دورها الدولي كاملاً، وقد بدأت فعلاً من مداخل معروفة حتى إنها أقدمت مؤخراً على فتح قنوات اتصال مع حزب الله اللبناني، ففي الاحتفال الذي أقيم في الضاحية الجنوبية ببيروت بمناسبة يوم الشهداء، لوحظ جلوس وفدٍ روسي في الصفوف الأولى إلى جانب قادة حزب الله ليستمع إلى كلمة سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله.
إن البعض لا يزال يتصور أن روسيا اليوم هي كما كانت في عهد رئيسها «يلتسين» أو في عهد الرئيس (غورباتشوف)، حيث كانت آنذاك تخضع لسيطرة واستغلال المافيا الصهيونية التي نهبت ودمَّرت الاقتصاد الروسي، وأنها دولة مفلسة تنتظر من الغرب حفنة من الدولارات الممزوجة بالمهانة والذل، في الوقت الذي قُضي فيه على المافيا الصهيونية، من خلال زج بعض قادتها في السجون، أو أنهم أصبحوا لاجئين في إسرائيل ولندن وباريس ومدريد، بعد أن استردّت منهم الدولة الروسية جميع الأصول الاقتصادية الضخمة التي كانوا قد استولوا عليها في عهد «بوريس يلتسين» بأساليب ملتوية وإجرامية.
شيء مهم آخر وهو أن الغرب هو الذي يحتاج إلى روسيا وليس العكس، بدليل أنه في اليوم نفسه الذي استخدم فيه الفيتو المزدوج، تناقلت وكالات الأنباء خبراً يفيد أن المستشارة الألمانية «ميركل» كانت تقوم بزيارة للصين لإقناع الرئيس الصيني بأن تتكرم بلاده بالتنازل عن «تريليون دولار» من مدّخراتها لإنقاذ أوروبا من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، وجاء في خبر مهم آخر أيضاً أن أوروبا تشكو من خفض روسيا لكمية الغاز التي تزودها بها بنسبة 20% وهذا كله يكشف من الذي يحتاج إلى الآخر الآن!
استجداء الغرب

كل هذا يجري بينما نجد الدول العربية التي تهيمن على الجامعة العربية حالياً تستمر في وضع أوراقها في السلة الأمريكية والغربية.
علماً بأن القوى الغربية بشكل عام تعاني أزماتٍ، إلى درجة لجأت فيها هذه الدول العربية إلى التخلي عن بعثة المراقبين العرب التي شكلتها هي نفسها للوقوف على حقيقة الأحداث الجارية في سورية، وراحت تركضُ بشكلٍ مخزٍ إلى نيويورك، لتعرض على أسيادها هناك ما تُسميه الملف السوري، وفي حقيقة الأمر، فإنها امتثلت لأوامر الاستدعاء إلى هناك والذي تمَّ بشكل عاجلٍ، لتؤمن التغطية العربية المزيفة لترتيبات المخطط الموضوع ضد سورية.
والشيء المعيب أكثر فأكثر أنها راحت تتهجم على كل من روسيا والصين والدول الأخرى التي لم تشارك واشنطن والعواصم الأطلسية الأخرى في حملتها على سورية، وتتهمها بأنها تخلت عن واجباتها في مساندة الشعب السوري وبأنها تلهث وراء مصالحها الخاصة!

استهداف سورية

لقد بات واضحاً أن حرباً دبلوماسية وإعلامية وأمنية تسوقها الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة وبشكل عنيف ومخيف ضد سورية، لأنها تقف ممانعةً في وجه محاولة الهيمنة على المنطقة العربية وتسييد إسرائيل عليها، وهذه الحرب ليست وليدة الساعة، بل هي جاءت ترجمةً لخطط موضوعة منذ سنوات، وضعتها الإدارة الأمريكية في سياق خطة أطلق عليها اسم «خطة القرن الأمريكي 2000-2020» التي أقرتها لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، ثم أجريت تعديلات عليها بعد المراجعة، تضمنت تحديد الدول والمواقع التي ستشملها هذه الخطة في سياق ما عرف آنذاك «بالمثلثات الاستراتيجية المستهدفة من أجل تأمين المصالح الأمريكية»، بحيث تصبح منطقة الشرق الأوسط مسرحاً للعمليات العسكرية لتطبيق خطة القرن الأمريكي «2000-2020» التي أشرنا إليها قبل قليل أو خطة «الأمريكي الجديد»، والتي بموجبها يتوالى سقوط دمشق ثم طهران ثم القاهرة، وبعدها ليبيا، بعد أن سقطت بغداد عام (2003)، والدليل على ذلك أنه ما إن تم احتلال العراق- كما نذكر جميعاً- حتى انطلقت التصريحات الأمريكية المعادية تتصاعد ضد سورية، حيث جرت آنذاك عملية مراجعة لدراسة أعدَّها «أمير الظلام ريتشارد بيرل»، عندما كان يعمل خبيراً في معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية العليا تحت عنوان «تغير واضح: سياسة جديدة لحماية الأهم»، والأهم هنا هو (إسرائيل). 
وكان من أبرز التوصيات في تلك الدراسة خلق مشاكل لسورية، من خلال توظيف واستخدام عناصر مناوئة للنظام. 
هذا ما جاء حرفياً في الدراسة المذكورة، وهذا ما يطبق الآن على أرض الواقع.
وهكذا نخلص إلى القول إن سورية مستهدفة من الولايات المتحدة بكل المعايير السياسية، وهي تدخل في صلب مخططات العقل الأميركي الاستعماري من أجل إخضاعها بحيث تستجيب- كما يستجيب غيرها- لما يُعرض عليها من خطط ومشاريع لترتيب أوضاع المنطقة بما يتلاءم مع المصالح الأميركية والتطلعات الإسرائيلية.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار