١٩ رمضان ١٤٣١

«بينيين» تهدد بالقضاء على النظام اللغوي الصيني



أظهرت بحوث علمية ميدانية أجريت مؤخراً أن الصينيين أصبحوا يعانون من ظاهرة مقلقة بدأوا يستشعرونها فجأة ويمكن أن تكون لها نتائج خطيرة على ثقافتهم برمتها. فعندما يعمد الصيني إلى كتابة رسالة بخط اليد، فإنه يلاحظ أنه نسي تماماً الطريقة التي تُكتب بها الكثير من الأحرف التي تتألف منها الكلمات البسيطة. وبيّنت الدراسات أن هذه الظاهرة التي تُعرف باسم “نسيان الأحرف الكتابية” character amnesia أصبحت كثيرة الانتشار في المجتمع الصيني وللدرجة التي دفعت المسؤولين هناك إلى الشعور بالخوف من اندثار ثقافتهم الكتابية القديمة التي تمتد لبضعة آلاف السنين عبر التاريخ القديم.
ويعود سبب الظاهرة إلى عدة أسباب من أهمها أن الأبجدية الصينية تتألف من أكثر من 20 ألف حرف، إلا أن السبب الرئيسي يعود لأن معظم الصينيين باتوا يستخدمون في مراسلاتهم الإلكترونية لغة “بينيين” Pinyin التي تكتب فيها الكلمات الصينية بحسب نطقها الصوتي ولكن بالأحرف الرومانية (كالتي تكتب بها الإنجليزية والفرنسية).
ويروي تقرير كتبه أحد مراسلي وكالة الأنباء الفرنسية في هونج كونج قصّة فتاة صينية تدعى “لي هانواي”، قضت فترة حياتها المدرسية الابتدائية في تعلّم وإجادة كتابة ونطق الألوف من الحروف التي يتألف منها النظام اللغوي الصيني المعقد. والآن، وعندما بلغت عامها الحادي والعشرين وأصبحت طالبة جامعية في هونج كونج، لاحظت أنها عندما تمسك القلم وتشرع في الكتابة، فإنها تلاحظ أنها نسيت تماماً طريقة كتابة كلمات أو عبارات بسيطة مثل “أنا محرَجة”.

وعندما سئلت “لي” عن شعورها الحقيقي أثناء المعاناة من هذه الظاهرة أجابت “في الحقيقة، يمكنني أن أتذكّر الشكل العام للكلمة إلا أنني لا أتذكّر الخطوات المتعاقبة لكتابتها. ولا شك أن هذا يمثل مشكلة بالنسبة لي”.
وبيّنت الإحصاءات أن هذه الظاهرة آخذة في الانتشار سريعاً في كافة أرجاء الصين. وبسبب التشابه النسبي في طريقة كتابة اللغتين الصينية واليابانية، فلقد لوحظت هذه الظاهرة ذاتها عند الشبّان اليابانيين واتضح أنها تعود في سببها للاستخدام المتواصل للكمبيوتر وأجهزة الهاتف المحمول.

وكانت صحيفة يومية صينية خاصة بالشباب تدعى “تشاينا يوث ديلي” أجرت في شهر أبريل الماضي دراسة ميدانية على عينة مختلطة تتألف من 2072 صينياً تبيّن من خلالها أن 83 بالمائة منهم يعانون من مشاكل وصعوبات تتعلق بالقدرة على كتابة الحروف الأبجدية. وبلغت هذه المشكلة عند “لي” الحد الذي دفعها إلى الاعتراف بأنها أصبحت تعتمد تماماً على جهاز الهاتف المحمول لتحرير النصوص بلغة “بينيين”. وقالت “عندما أعجز عن تذكر الحروف والكلمات، فإنني أبحث عنها في هاتفي المحمول ثم أقوم بطبعها”.

وتقول طالبة أخرى من هونج كونج تدعى زينج مينج عمرها 22 عاماً “أعتقد أن هذه المشكلة تخصّ الشبّان الصغار، أو ربما كانت على الأقل مشكلة يعاني منها مستخدمو الكمبيوتر”. وتقول زينج إن أحد أكثر الحروف الصينية تعرّضاً للنسيان هو ذلك الذي يوجد في اسم الوحش الأسطوري “تاو تاي” الذي بلغ به الجشع الدرجة التي جعلته يأكل نفسه. وتشير زينج إلى أن “المخيف في الأمر هو الشعور بأننا بدأنا ننسى ثقافتنا كلها”.

ومما ساعد على انتشار الظاهرة أكثر وأكثر أن مصممي تطبيقات كتابة النصوص الصينية على شاشة “الموبايل”، عمدوا إلى تسهيل مهمة هواة التراسل النصّي من خلال تنزيل محرك بحث لغوي على الأجهزة المحمولة يسمح باستحضار أي كلمة صينية من مجرّد كتابة مدلولها بالأحرف الرومانية بلغة “بينيين”. وبالرغم من أننا لم نسمع عن إجراء دراسات مشابهة لمعرفة تأثير ظاهرة انتشار التعامل مع الرسائل النصّية والبريد الإلكتروني على مستوى إجادة الشبّان للكتابة بالحروف العربية، إلا أن من المؤكد أن لها أثرها البالغ في هذا الشأن. وربما لا تبلغ هذه الظاهرة نفس مرحلة الخطر التي نشاهدها في الصين، وذلك لأن اللغة العربية تضمّ 28 حرفاً فقط، إلا أن اعتماد الرسائل النصية على الاختصار الشديد واستبدال الكثير من الكلمات بالرموز، يؤدي إلى الافتقار للكثير من أسس ومقوّمات البراعة والإجادة في الكتابة والتعبير.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار