١٢ جمادى الأولى ١٤٣٣

التواصل الثقافي مع الصين


أحمد المنصوري
لطالما انبهر العرب بالحضارة الغربية الحديثة، و ركزوا جُلّ اهتمامهم على دراسة لغاتها خاصة الإنجليزية وفنونها وثقافاتها وزيادة التواصل الحضاري مع مكنوناتها المختلفة. كيف لا والرأسمالية الاقتصادية والعولمة الثقافية بالإضافة إلى الإرث الاستعماري من أهم العوامل التي ساهمت في الترويج للحضارة الغربية بين شعوب العالم العربي. ولكن القليل من العرب اتجه شرقاً، واهتم ببناء جسور التواصل الحضاري الثقافي معه.. فالشرق ليس فقط صناعة يابانية متقدمة، ولا منتجات صينية تغرق الأسواق، ولا أيدٍ عاملة من شبه الجزيرة الهندية وجنوب شرق آسيا.. ففي الشرق حضارات وأفكار وثقافة أكثر عراقة ولا تقل رقيّاً عن الحضارة الغربية.
خلال شهر مارس الماضي، شهدت العلاقات الإماراتية الصينية تطوراً مهمّاً على الصعيدين الثقافي والحضاري، تمثل في حدثين، كان الأول في إعادة افتتاح مركز الشيخ زايد للدراسات العربية والإسلامية في بكين، والحدث الآخر افتتاح معهد كونفشيوس لتعليم اللغة الصينية في جامعة زايد بأبوظبي. فقد شهد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة -وفي إطار زيارته الرسمية للصين الأسبوع الماضي- حفل افتتاح معهد الشيخ زايد في بكين، الذي كان المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد أمر ببنائه عام 1990. وأعرب سمو ولي عهد أبوظبي عن أمله أن يساهم المركز في توطيد العلاقات بين الحضارتين الصينية والعربية، وأن يعمل على تعميق مفاهيم الحوار والتفاهم والقيم الإنسانية النبيلة.

لقد شهدت السنوات الأخيرة نمواً مطرداً في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الإمارات والصين، وتكررت الزيارات البينية للمسؤولين في البلدين. وتعد دولة الإمارات ثاني أهم شريك تجاري بعد السعودية بالنسبة للصين في منطقة الشرق الأوسط. كما أن حجم التجارة الثنائية قد نما بين البلدين بنسبة 35 في المئة سنويّاً خلال السنوات العشر الماضية حسب ما نشرته بعض التقارير الصحفية. وهناك ما يقارب 3 آلاف شركة صينية تعمل في الدولة و200 ألف مواطن صيني يقيمون ويعملون في الدولة. وهذه الأرقام تقرأ، اقتصاديّاً، على أنها مؤشرات إيجابية لمستوى العلاقات بين البلدين، ولكن من الجانب الحضاري والثقافي، أتمنى لو أعرف كم نسبة من يعرف العربية من بين الصينيين المقيمين في الدولة، وما مدى معرفتهم بثقافتنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا؟

إن تنامي العلاقات التجارية والاقتصادية بين بلدين مدعاة إلى حد ما لتطوير العلاقات الثقافية ولكن العلاقات الثقافية والحضارية أبقى وأدوم لأنها علاقات إنسانية غير مادية عكس العلاقات التجارية التي قد تحكمها المصالح الآنية. كما أن تقوية العلاقات الثقافية بين العرب والصينيين تنعكس إيجاباً على التجارة والسياسة. فالعرب ليسوا فقط سوقاً استهلاكية للمصانع الصينية، حيث إن لدينا همومنا وقضايانا وثقافتنا التي يجدر بنا تعريف الصينيين بها. كيف لا، وبيننا تاريخ من التواصل الثقافي والتجاري يمتد لأكثر من ألفي عام، حتى أن في الأدب العربي القديم دلالات كثيرة على عمق العلاقات الحضارية بين العرب والصينيين، إلى درجة أن من أقوالنا المأثورة اطلبوا "العلم ولو في الصين".
إن إعادة افتتاح مركز الشيخ زايد لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في بكين وكذلك افتتاح معهد كونفوشيوس في أبوظبي لتعليم اللغة الصينية يمثلان منصة مهمة لتعزيز التفاهم والتقارب بين الشعبين، وبادرة مهمة لتوطيد علاقات عمرها ما يزيد عن ألفي عام ولكن شابها الانقطاع والإهمال طوال عقود مضت أهمها أننا أهملنا الشرق عندما اتجهنا بثقلنا للغرب.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار