٢٠ ربيع الآخر ١٤٣٣

الصين.. وقضايا الأقليات


عفيف رزق
هل ستنجح الحكومة الصينية في معالجة مطالب الأقلية الاويغورية في الانفصال عن الدولة الصينية وإقامة دولة مستقلة بها "باسم تركستان الشرقية"، في منطقة تشينغ يانغ، في اقصى الغرب الصيني؟ 
تسود الانقسامات العرقية منطقة تشينغ يانغ، وتسيطر التوترات بين المسلمين الناطقين بالتركية وبين الصينيين من العرق الهاني، ويصف المراقبون هذه المنطقة بالبؤرة المتفجرة. فمنذ عقدين من الزمن تهدأ هذه البؤرة حيناً وتنفجر احياناً وآخر الحوادث التي حصلت كانت في اواخر الشهر الماضي عندما هاجم عدد من المشاغبين بالسلاح الأبيض عند الساعة السادسة مساء" المارين في "شارع السعادة" في تشينغ يانغ قرب كاشغار فأوقعوا عدداً من القتلى؛ وعلى الفور تصدت لهم القوى الأمنية فقتلت سبعة منهم واعتقلت اثنين، وقد جاء في البيان الذي اصدرته الوكالة الصينية الجديدة للإعلام ان عدد القتلى كان على الأقل 12 قتيلاً بينهم اثنان من المهاجمين.
الا ان المتحدث الرسمي باسم المجلس الأويغوري العالمي، وهو منظمة معارضة، معظم اعضائها في المنفى، مقرها في المانيا وتسعى الى انفصال منطقة تشينغ يانغ عن الصين وإنشاء دولة للأويغوريين البالغ تعدادهم تسعة ملايين نسمة، مستقلة تماماً عن الحكم الصيني، فقد قال عن الحادث بأن المواجهات وقعت بين الأيغور من جهة وعناصر من القوات الامنية الصينية من جهة أخرى، والسبب في ذلك، كما يراه المجلس ان الاويغوريين لم يعد بإستطاعتهم تحمل ما يتعرضون له من قمع منهجي من قبل القوى الامنية الصينية، وانهم لجأوا، أي الايغور، الى هذه الاساليب للدفاع عن حقوقهم التي استباحها الصينيون وعن عاداتهم وتقاليدهم وديانتهم التي تتعرض للقمع والاحتقار.
لقد دخلت وزارة الخارجية الصينية، لإعطاء اهمية خاصة للحادث، على خط الاعلام، اذ جاء في البيان الذي تلاه الناطق الرسمي باسم الوزارة ان عدداً من "الارهابيين" هاجموا، بالسلاح الابيض مواطنيين مدنيين ابرياء في بلدة كاشغار وأوقعوا عدداً من القتلى وان قواتنا المسلحة تصدت بشدة "لمجموعة من الارهابيين المهاجمين الانفصاليين الذين جاؤوا لعرقلة عملية التنمية الاقتصادية ونشر بذور التفرقة بين المواطنيين وتخريب السلم الاهلي...". تجدر الاشارة الى ان منطقة تشينغ يانغ تقع على مقربة من حدود كشميرالتي يتقاسم السيطرة عليها كل من الهند وباكستان. 
قلنا ان هذا الحادث لم يكن الاول، وقد يكون الأخير؛ فالصدامات بين الافراد الايغوريين وبين القوات الامنية الصينية يعود تاريخ بدايتها الى مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ حيث كانت في اول الامر مناوشات عادية سرعان ما تطورت لتأخذ شكل هجمات منظمة واعتقالات وكمائن واختفاء وتوقيف، ثم اصبحت عنيفة مما زاد من مشاعر العداء لدى الأويغور للحكم الشيوعي الصيني، وتطورت الصدامات وتميزت بنوعية محددة كالهجوم على مراكز الشرطة، ففي أواخر تموز من العام 2009 اندلعت اعمال العنف في المنطقة وكان من نتائجها مقتل حوالي مئتي شخص واصابة اكثر من 1600 آخرين بجراح؛ وفي اوائل آب من العام 2011 ارسلت بكين كتيبة من نخبة شرطة مكافحة الشغب واسفرت الصدامات بين الطرفين عن سقوط اكثر من عشرين قتيلاً.. 
رافق هذه الاحداث الصدامية المسلحة الدامية نشاط قامت به الحكومة الصينية لإستيعاب ما يحدث، الى جانب تقديرها ان الحل العسكري لا يمكن ان يٌقدم نتائج طويلة الامد. انطلاقاً من ذلك نستطيع ان نلقي الضوء على الخطوط العامة الرئيسية لنشاط الحكومة الصينية في ايجاد حلول جذرية للنزاع الذي ينشب بين الكثرية واقلية: 
اولاً: دخلت الحكومة الصينية بقوة على خط التنمية المتنوعة في هذه المنطقة، وهذا ما اشارت اليه بوضوح وزارة الخارجية الصينية عندما اتهمت المهاجمين بعرقلة تنمية المنطقة وتطويرها. ارتكزت الخطة الحكومية على تحويل كاشغار الى "شينزين الغرب"، أي تنمية المنطقة على نسق ما قامت به السلطات الصينية في جنوب البلاد عندما حولت "شينزين"، الواقعة قرب هونغ كونغ، من قرية صيد بسيطة الى مدينة تضم تجمعاً سكانياً حديثاً على مستوى عالمي، واستمرت عملية التنمية ثلاثين سنة؛ اما في ما خص كاشغارفي منطقة تشينيغ يانغ فان الحكومة الصينية دفعت بالاستثمارات المالية الضخمة الى هذه المنطقة حيث اخذت البنايات الشاهقة ترتفع على جانبي الطرق العامة وتمتد "على طول كيلومترات عديدة" مع بنى تحتية: مياه. كهرباء. اتصالات، شبكة طرق... حديثة، كاملة ونظيفة. 
ثانياً: لجأت الحكومة الصينية للدفع بعملية التنمية الى الامام الى اليد العاملة الصينية من العرق "الهاني"، فأمنت للعاملين في الميادين التنموية ولعائلاتهم مساكن وفرص عمل فاستوطنوا المنطقة، وازدادت اعدادهم وشكلوا اغلبية ضخمة بالنسبة للأقلية الاويغورية التي خف تأثيرها وضغطها ومطالبها من الحكومة، وتلا ذلك انخفاض مستوى التوتر بين مكونات المجتمع في المنطقة. 
ثالثاً: تعتبر تجربة الصين في معالجة قضية الاقليات من التجارب الفريدة فهي الى جانب بعدها عن العمل الامني العسكري لحل النزاع بين الاعراق المنتشرة في المنطقة، قدمت بدائل تلبي الحاجات الاساسية لجميع المواطنين دون استثناء وخصوصاً فرص العمل والمسكن.... يبقى ان نشير الى ان احترام عادات وتقاليد واديان ومشاعر جميع مكونات اي مجتمع... وكذلك ايضاً احترام حقوق الانسان العادية: حرية التعبير، والحرية الشخصية، وحرية المعتقد... هي من الاسس الجوهرية التي يجب ان يستند اليها اي حل دائم وعادل .

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار