٢٩ ربيع الأول ١٤٣٣

المسيرة الطويلة من شنغهاي



بقلم / كريستوفر هِل - مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون شرق آسيا
قبل أربعين عاما، وفي فبراير 1972 على وجه التحديد، قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون برحلة إلى الصين. وفي اليوم السابع من "الأسبوع الذي غير العالم"، كما أطلق عليه نيكسون، وقَّع هو ورئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك تشو إن لاي على "بيان شنغهاي"، الذي بدأ عملية تطبيع العلاقات الثنائية، وألزم الولايات المتحدة، المؤيد الرئيسي لتايوان، بمبدأ الجمهورية الشعبية المتمثل في "صين واحدة".
وكان إعلان نيكسون المتهلل بمثابة الصورة النموذجية لمزاجه. ففي حين لم يزعم أنه نجح في تغيير النظام الداخلي للصين، إلا أنه في واقع الأمر تولى قيادة عملية إعادة الترتيب الجوهرية لتوازن القوى العظمى في ذلك الوقت، وعزز القطيعة بين الاتحاد السوفييتي والصين والتي كانت جارية لعدة سنوات. وعلى نحو ما، كانت زيارة نيكسون بمثابة بداية نهاية الحرب الباردة.
وبعد أربعين عاما، نمت العلاقة الأمريكية الصينية إلى حد كبير حتى أصبحت في رأي البعض العلاقة الثنائية الأكثر أهمية وتعقيداً على مستوى العالم. والواقع أن العلاقات الاقتصادية بشكل خاص تطورت على نحو ما كان لأحد أن يتصوره في ذلك الوقت. فقد برزت الصين باعتبارها الدولة صاحبة ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم، كما كانت سرعة التغيرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت عليها مبهرة بنفس القدر.
ولكن كما أظهر استخدام حق النقض الصيني-الروسي ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا في الخامس من فبراير، فإن العلاقات الأمريكية الصينية تظل بمثابة عمل لم يتم بعد. والأمر يتطلب الإدارة الواعية البارعة، والتي ربما كانت شحيحة في ذلك اليوم.
إن العلاقات بين روسيا ونظام الأسد في سوريا قديمة، ومن الواضح أن القرار الذي اتخذته روسيا باستخدام حق النقض ضد القرار متأصل في سياستها في الشرق الأوسط. أما قرار الصين فقد بدا على النقيض من هذا وكأنه يستند بشكل أكبر إلى التشكك في نوايا السياسة الخارجية الأمريكية - في والوقع، على المفهوم الذي كثيراً ما نصادفه في الصين هذه الأيام: انعدام الثقة الاستراتيجية.
وعلى حد تعبير أحد الأكاديميين البارزين في حوار معي: "من يلدغه ثعبان يخشى الحبل". أو بعبارة أخرى، كان دعم الصينيين في العام الماضي لقرار مجلس الأمن بحماية المدنيين الليبيين من العقيد معمر القذافي، واستغلال حلف شمال الأطلسي لهذا القرار للتدخل بشكل حاسم في دعم تغيير النظام، سبباً في إلحاق الضرر بالصين إلى الحد الذي جعلها عازفة عن التعاون في استصدار قرار آخر مماثل.
ونتيجة لهذا، اختارت الصين استخدام حق النقض ضد القرار الذي حظي بدعم واسع النطاق من قِبَل المجتمع الدولي، بما في ذلك جامعة الدول العربية، الأمر الذي كان بمثابة ضربة مستحقة لمكانة الصين على الصعيد الدولي. وعلى النقيض من روسيا، التي أرسلت وزير خارجيتها سيرجي لافاروف إلى دمشق في اليوم التالي، فمن الواضح أن الصين لم تجد بديلاً دبلوماسيا آخر، وعلى هذا فقد ظهرت وكأنها غير راغبة في القيام بدور مشارك في النظام الدولي الذي يرفض اعتبار القصف المدفعي للمدنيين شأناً داخليا.
ونظراً لأهمية العلاقات الأمريكية الصينية، فلا ينبغي لأحد أن ينظر إلى المتاعب الدبلوماسية التي تواجهها الصين باعتبارها أنباء طيبة. فلا أحد قد يكسب من خطأ ترتكبه الصين.
إن فشل القرار لم يكشف عن افتقار المجتمع الدولي إلى العزيمة في مواجهة نظام الأسد فحسب (الواقع أن العديد من المعلقين يعتقدون أن القرار الذي استخدمت ضده روسيا والصين حق النقض كان ضرره أكثر من نفعه)؛ بل إنه كان أيضاً سبباً في تعزيز التعاون الصيني الروسي ــ وهو على وجه التحديد ما سعى الدبلوماسيون الأمريكيون في عام 1972 إلى إضعافه. والواقع أن الشعور بالإلحاح الذي انعكس في الجهود الرامية إلى معالجة الموقف المتدهور في سوريا على وجه السرعة لابد وأن يطبق أيضاً على المشاكل التي تنشأ في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين أيضا.
إن استخدام الصين لحق النقض ضد القرار بشأن سوريا لم يأت من فراغ. ذلك أن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة مؤخراً بالبدء في فك ارتباطها بالحروب التي تخوضها في جنوب آسيا والشرق الأوسط والعودة إلى التركيز على شرق آسيا، يبدو وكأنه محاولة لمواجهة الصين رداً على تأكيداتها الحادة على سيادتها في بحر الصين الجنوبي. وعلى الرغم من آلاف السنوات من التعامل مع جيرانها الأصغر حجماً في الجنوب، فإن الصين المتزايدة القوة لم ترع هذه العلاقات كما ينبغي في الآونة الأخيرة.
قبل أربعين عاماً شعر الصينيون بالانزعاج الشديد إزاء مؤامرة سوفييتية ترمي إلى تطويق بلادهم. واليوم تجدد الانزعاج ــ الذي أعربت عنه المدونات الصينية ومن قِبَل جيل من الشباب يتسم بميل متزايد إلى المواجهة ــ إزاء تصور مفاده أن الحكومة الصينية تسمح للولايات المتحدة الآن بفعل نفس الشيء. وفي حين يتملك هذا الرأي من عقول الصينيين، فإن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين باعتبارها شريكاً متردداً على نحو متزايد فيما يتصل بقضايا تهم المصالح المشتركة بين البلدين بوضوح.
ويُعَد عزوف الصين عن التصدي لغدر كوريا الشمالية - والذي يذهب إلى ما هو أبعد من الدعوات الغامضة الفارغة إلى الحوار - بمثابة مثال واضح لذلك. وكان ينبغي للولايات المتحدة والصين أن يتمكنا من صياغة استراتيجية مشتركة لمنع كوريا الشمالية من صنع أسلحة نووية. ورغم ذلك فإن ما تم إنجازه في هذا الصدد كان ضئيلاً للغاية، نظراً لتفاقم حالة انعدام الثقة من جانب الصينيين.
ولكن لا أحد يحاول احتواء الصين. ويتعين على الصين أن تنظر إلى الداخل لكي تفهم أن مشاكلها الداخلية لم يعد من الممكن حلها بإذكاء المشاعر القومية بالحديث عن إهانات حقيقية أو متوهمة من الخارج. فالآن انقضى "قرن العار" الصيني منذ أمد بعيد.
ففي أعقاب بيان شنغهاي، سرعان ما شرعت الصين في رحلة تاريخية جعلت مسيرة ماو تسي تونج الطويلة الأسطورية تبدو وكأنها نزهة في الحديقة. ولقد اختارت الصين (بحكمة) طريق التعاطي مع العالم. وكان التوصل إلى فهم أفضل لكيفية الموازنة بين المصالح والمواقف مع الدول العديدة التي يتألف منها المجتمع الدولي بمثابة جزء مهم من رحلة الصين.
ولكن يتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تدرك أن علاقتها بالصين "أكبر من أن يُسمَح لها بالفشل"، على حد تعبير أحد المسؤولين الصينيين مؤخرا. والواقع أن التركيز على أسوأ المخاوف الأمريكية حول الصين، والإشارة إلى أنها تشكل عنصراً خطراً في العالم، كما يقترح بعض المنتقدين في الولايات المتحدة، يعني المجازفة بخلق نبوءة ذاتية التحقق.

    أهم الأخبار

    اليوم السابع

    عشق الصين

    سجل الزوار