٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣

صحوة الدب الروسي والتنين الصيني


* د. صالح بن بكر الطيار

عادت إلى الواجهة السياسية العالمية الصين وروسيا لتلعبا دوراً يمهد لولادة قطبية متعددة بعد أن تفردت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك منذ سقوط جدار برلين حتى الأمس القريب.
و عودة الحلف القديم- الجديد توضحت صورته مؤخراً في مجلس الأمن، حيث استخدمت بكين وموسكو فيتو مزدوجاً لمنع صدور أي قرار يدين النظام السوري، وللمطالبة بحل الأزمة السورية عن طريق الحوار بين السلطة وأطراف المعارضة.
و الصحوة الثنائية للدب الروسي وللتنين الصيني هي صحوة لقوة عسكرية كبرى تمتلكها موسكو، ولقوة اقتصادية عملاقة تمتلكها بكين، بحيث يمكن لهما معاً فرض دورهما وصياغة استراتيجية دولية جديدة في مواجهة الإستراتيجية الغربية. ولكن ما هي الأسباب التي أدت إلى تخلي بكين عن مواقفها الحيادية في الأزمات الدولية، وإلى عودة موسكو للتلويح بقبضة حديدية بعد أن اختارات لفترات سابقة استخدام القبضة المخملية عبر دبلوماسية ناعمة تبيع وتشتري في سوق المواقف الدولية؟. 
من ناحية موسكو فإنها تتخوف من عدوى انتشار الأنظمة الإسلامية في العالم العربي لتصل إليها، في الشيشان على سبيل المثال، الأمر الذي يهدد الأمن القومي الروسي ليس فقط في أراضيها البعيدة بل حتى داخل الكيان الروسي نفسه في ظل الحديث عن دراسات تتوقع ارتفاعاً مذهلاً في أعداد السكان الروس المسلمين قياساً إلى السكان الأرثوذكسيين.
يضاف إلى ذلك أن موسكو لن تتخلى بسهولة عن وجودها في البحار الدافئة من خلال إقامة قواعد عسكرية على الشواطئ السورية لما من شأن ذلك أن يجعلها قادرة على امتلاك قوة رادعة في مواجهة شبكة الصواريخ الأمريكية على الأراضي التركية، ومن تحكمها بورقة قابلة للصرف في أي مشروع سلام في الشرق الأوسط. دون أن نتجاهل احتمال ولادة حلف جديد يمتد من إيران، مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان، وما يمكن روسيا من لعب الدور الحاضن لمثل هذا الحلف.
أما بكين فإنها لم تعد تتخوف من مقاطعتها اقتصادياً من قبل الغرب لأنها أصبحت ضرورة لا غنى عنها في الاقتصاد العالمي، ولأن الصين اليوم هي المنقذ لأمريكا ولدول منطقة اليورو من أزماتها المالية عبر مئات المليارات من الدولارات التي استثمرتها في سندات خزينة هذه الدول.
و بما ان عامل الخوف لم يعد موجوداً، لذا من الطبيعي أن تبدأ الصين بالكشف عن حقيقة طموحاتها الدولية والتي رأت أن تحقيقها يكمن في إقامة نوع من التحالف الإستراتيجي مع روسيا لمواجهة أي مد إسلامي، أو أي اعتداء هندي، أو تهديد نفطي يشكل خطراً على صناعاتها، خاصة وأن الصين تعتبر اليوم من أهم المستهلكين عالمياً لمادة النفط، ومن أكبر المستثمرين في هذا المجال. وبهذه الطريقة تمكنت الصين شيئاً فشيئاً من تفعيل حق "الفيتو" الذي تتمتع به لإعطاء انطباع ببدايات ظهور تعددية قطبية متنامية، ترسخ مع مرور الوقت ما يشبه أجواء الحرب الباردة.
ويذكر أن الصين كانت عادة ما تمتنع عن التصويت بشأن القضايا التي لا تهمها بشكل مباشر، ولذلك فمن بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن المتمتعة بحق النقض "الفيتو" كانت حتى الآن هي أقلها استخداماً لهذا الحق، حيث لم تستخدمه منذ سنة 1971 سوى 8 مرات، مقابل استخدام فرنسا لـ"الفيتو" 20 مرة خلال الفترة نفسها.
ويضاف إلى ما تقدم مسألة هامة وهي أن واشنطن ومعها دول الاتحاد الأوروبي غارقة في أزمات اجتماعية ومالية واقتصادية لا يمكن الاستهانة بها، وهذا ما انعكس سلباً على مواقعها السياسية على الساحة العالمية في العراق وأفغانستان، وبمواجهة الملف النووي الإيراني، وملف السلام في الشرق الأوسط؛ مما يعني أن الفرصة متاحة الآن لكل من بكين وروسيا لاستغلال الضعف الغربي وفرض نوع من الشراكة في إدارة الأزمات الدولية. وما الأزمة السورية اليوم إلا محل تجربة لتعددية قطبية ناشئة وجدت في هذا الملف فرصة دون أن يكون الدافع شرعية أو عدم شرعية النظام السوري، أو بقاء أو عدم بقاء الرئيس بشار الأسد.
________________________
* رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار