٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣

3 عناصر تدفع الصين إلى زعامة العالم


هل بإمكان الصين أن توفر الزعامة للعالم؟ والمقصود بهذا السؤال ليس الطلب من الصينيين التحول إلى غزاة مثل مؤسس سلالة كين خلال الفترة 221-206 قبل الميلاد، أو شي هوانغدي أو جنكيز خان. ليس المقصود قيام الصين بغزو العالم. فالزعامة التي نتحدث عنها هي أشبه ما تكون بالزعامة الخدمية، زعامة مساعدة العالم، وزعامة جعل العالم مكاناً أفضل.
بالتالي عندما يطرح سؤال عما إذا كان بإمكان الصين توفير الزعامة العالمية، فإنه يعني الطلب من الصين أن تخدم العالم.
وهذا السؤال مطروح الآن لأننا ندخل عصراً جديداً كلية في تاريخ العالم، وهو يختلف كثيراً عما خبرناه خلال الـ200 سنة الماضية.
وعند الانتقال من عصر تاريخي إلى آخر، فإنه غالباً ما لا تكون عملية الانتقال سلسة، بل يمكن أن تحدث نزاعات وصراعات.
كيف يمكن ان يجري هذا الانتقال من نظام عالمي إلى نظام عالمي آخر من دون نزاعات وتوترات وصراعات؟
يمكن الإجابة على هذا السؤال بتقسيمه إلى ثلاثة أجزاء.
أولًا، لماذا يحصل الأمر الآن؟ لماذا يطرح هذا السؤال عن الصين والزعامة العالمية؟
ثانياً، ماذا يحصل للعالم إذا لم توفر الصين هذه الزعامة؟
وثالثاً، إذا قررت الصين توفير الزعامة للعالم، فما نوع الزعامة التي يجب ان توفرها الصين؟

في ظلال العولمة
لماذا يطلب من الصين أن تفكر في الزعامة العالمية الآن؟
يعود هذا الأمر لثلاثة أسباب.
-السبب الأول هو ان العالم قد تغير في الجوهر بسبب العولمة. يوجد 193 بلداً في العالم، و193 دولة عضو في الأمم المتحدة بإجمالي 7 مليارات نسمة. وقبل العولمة، عندما كان الناس يعيشون في 193 دولة منفصلة، كان الأمر أشبه بالعيش في 193 مركباً منفصلاً، لكل مركب قبطان أو طاقم بحارة للاهتمام به.
ونتيجة للقواعد التي تم وضعها في عام 1945 بنهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت هناك أسس تضمن عدم اصطدام تلك المراكب بعضها ببعضها الآخر، فقد كانت هذه حقيقة النظام القديم.
لكن الآن أصبح العالم صغيراً جداً، حيث لم يعد السكان البالغ عددهم 7 مليارات نسمة يعيشون في 193 مركباً منفصلاً. بل أصبحوا جميعاً في 193 حجرة منفصلة على القارب نفسه. بالتالي جميع الناس البالغ تعدادهم 7 مليارات نسمة يعيشون الآن في مركب واحد.
ومشكلة هذا المركب هي أن كل حجرة من حجراته أقيمت فيها حكومة، لكن المركب بمجمله ليست له حكومة، ولا يوجد من يهتم بالمركب ككل.
ويمكن رؤية ذلك على سبيل المثال، في الأزمة المالية التي وقعت أخيراً، وتركت تأثيراتها على العالم خلال عامي 2008 و2009. لم يكن هناك أحد يعتني بالاقتصاد العالمي، وبالتالي كانت لدينا أزمة كبرى.
-السبب الثاني هو أنه في الماضي كانت الدول الغربية هي التي تهتم بالمركب ككل، لأنها كانت شديدة الجبروت، خصوصاً بعد عام 1945. وفي حقيقة الأمر، فقد فعل الغرب أشياء كثيرة جيدة للعالم. في عام 1945، أوجدت الدول الغربية ما يمكن تسميته بـ نظام يستند إلى قواعد، تضمن مؤسسات مثل الأمم المتحدة ومنظمات مثل منظمة التجارة العالمية، وهذه الأخيرة كانت مدعومة ومحافظاً عليها من قبل الغرب إلى أن تغير الوضع أخيراً، وأصبحت أميركا وأوروبا تخشى منها.
الثقة المفقودة
ومن سمات العالم الجديد أن العالم تغير، واصبح أصغر حجماً، ويحتاج بالتالي إلى منظمات دولية أقوى، هذا في الوقت الذي لم تعد للغرب ثقة في تسيير عمل تلك المنظمات. وعلى هذا الأساس، السبب الثالث هو عبارة عن سؤال:
- السؤال الثالث هو من تكون الدولة الأخرى التي بإمكانها توفير الزعامة للعالم عدا الصين، إذا كان الغرب لا يمكنه القيام بهذه المهمة؟
هل يمكن تسمية دولة أخرى في العالم خارج الغرب بإمكانها الاهتمام بالمنظمات الدولية؟
الهند هـــي مرشــحة أخـــرى محتملة لهذا الأمر.
وسياق الكلام يفترض ربما أن يكون جوهره هو هل بإمكان الصين والهند معاً توفير الزعامة للعالم؟ لأن العالم يتطلع الآن إلى الصين والهند، والسبب الذي يحدو العالم للتطلع إلى هذين البلدين، هو أنه، في القريب العاجل، ستكون الصين الاقتصاد الأول في العالم، والهند ستكون الاقتصاد الثاني.
والجمــــيع يتطلـــع دومــاً إلى البـــلدان الأكـــبر لتوفير الزعامة الــــعالمية، وباستثناء الصين والهند، فإنه لا توجد بلدان أخرى تتمتع بما يكفي من الضخامة أو القوة لتوفير الزعامة.
لكن لنر ما سيحصل إذا لم تكن هناك زعامة عالمية.
أولًا، سيدخل الاقتصاد الدولي في المياه العكرة جداً. ولقد سبق أن شاهدنا مدى الخطورة التي كانت عليها هذه الأزمة المالية في عامي 2008 و2009. وفي الواقع، فإن الاقتصاد العالمي بمجمله كاد ان يسقط إلى الهاوية.
والجميع يدرك ما الذي أنقذ العالم في 2009؟ كانت لدينا زعامة عالمية. فهل تعلمون كيف تم إيجاد هذه الزعامة العالمية؟
في أبريل 2009، وبشكل مفاجئ، أصيب كل قادة بلدان مجموعة العشرين بالهلع، وشعروا بقلق شديد، فخرجوا من حجراتهم، وصعدوا إلى سطح المركب إلى حجرة القبطان وقالوا: مركبنا الدولي في مأزق.
بالتالي، التقى قادة مجموعة العشرين كمجموعة، وأنقذوا الاقتصاد العالمي. والرجل الذي لعب دوراً شديد الأهمية حينها كان رئيس وزراء بريطانيا، غوردون براون الذي جمع قادة العالم وقال: يتعين علينا ان نعمل معاً. والعالم محظوظ لأن اجتماع هذه المجموعة نجح في أبريل 2009.
لكن ما ان انتهت الأزمة، حتى باءت كل اجتماعات مجموعة العشرين بالفشل. والسبب في ذلك أن القــــادة عـــادوا إلـــى حـــجراتهم مــــا ان انتهت الأزمة.

المصالح الضيقة
وعندما عادوا إلى حجراتهم في المركب، كان جل اهتمامهم مصالحهم الوطنية وليس المصلحة العالمية. وعندما يهتم القادة بمصالحهم الوطنية فقط، فإن العالم بأسره يقع في المشكلات.
ستكون هناك أزمات اقتصادية أخرى على الطريق، وهذا أمر مؤكد خلال خمس أو 10 سنوات.
ولنأخذ بعض الأمثلة. حالياً هناك سؤال كبير حول قيمة العملات.
تعتقد أميركا ان العملة الصينية، اليوان، مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية، وتقول إنه يفترض رفع قيمتها، وإلا فإنها تمثل ميزة لصالح الصين مجحفة بحقها. وتضيف إن هذا الوضع يعطي الصين ميزة تنافسية غير عادلة، عندما يكون اليوان منخفضاً.
ويوجد حالياً نوع من الصراع بين أميركا والصين حول قيمة العملة، وفي حال لم يكن هناك نظام من القواعد، لكان هناك خطر من اندلاع صراع مباشر، لكن إذا تمكن العالم من إيجاد نظام من القواعد يطبق على الجميع حول كيفية تقييم عملاتهم، فإنه حينئذ يمكن إيجاد استقرار في العالم.
والأمر الآخر السلبي أو السيئ المتوقع حصوله في حال لم يكن هناك زعامة عالمية، هو عدم التعامل مع كثير من التحديات الدولية.

الاحتباس الحراري
هناك خطر الاحتباس الحراري، الذي ستعاني منه كل الدول حول العالم، ربما ليس كندا أو روسيا، لأنه سيتسنى لهاتين الدولتين، في نهاية المطاف، الحصول على مكان أكثر دفئاً يمكن التوجه إليه، لكن باقي دول العالم سوف تعاني من الاحتباس الحراري العالمي.
وفي سبيل خفض هذا الاحتباس الحراري، يتعين علينا جميعاً أن نخفض ما يطلق عليه انبعاثات غاز الدفيئة أي أن نستهلك طاقة أقل.
وفي سبيل القيام بذلك، يجب أن يقدم الجميع تضحيات. لكن، كما هو معلوم، كان هناك اجتماع في كوبنهاغن ولم يجر التوصل إلى نتائج فيه.
فقد طلبت أميركا وأوروبا من الصين والهند تقديم المزيد من التضحيات، لكن الصين والهند قالتا لأميركا وأوروبا: عفواً، ما زلنا بلدين فقيرين، وسكاننا يحتاجون الكهرباء، ونحتاج لبناء المزيد من محطات طاقة على الفحم، ولا تطلبوا منا ان نحرم شعبنا من الكهرباء.
والمجال الثالث الذي يمكن ان نواجه فيه مشكلات قد يكون المجال الأخطر على الإطلاق. كان رائعاً إلى اليوم أن نشهد أكبر تحول في القوة شهدته البشرية في تاريخها، فالقوة تنتقل من دولة إلى أخرى. ومع ذلك، وللغرابة، لا توجد حروب كبرى، وإنما صراع من هذا النوع أو ذاك.
ومن اللافت للنظر انه خلال السنوات الخمسين الأولى من القرن العشرين شهدنا حربين كبريين، هما الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. لكن منذ 1945، لم نشهد حرباً ثالثة، فلماذا؟ لأن النظام القائم على قواعد عام 1945 الذي أوجده الغرب، وضع بعض القواعد للبلدان حول كيفية التعامل الواحدة مع الأخرى.

خرق القواعد
وتفيد قواعد عام 1945: يحق استخدام القوة في إطار الدفاع عن النفس أو بتفويض من مجلس الأمن للأمم المتحدة فقط، معظم البلدان تريد أن تمتثل لهذه القواعد، لكن دولة واحدة قررت عدم القيام بذلك. من كانت هذه الدولة؟ من هي تلك الدولة التي تحدت هذه القواعد باستخدام القوة؟ إنها أميركا.
في مارس 2003، غزت أميركا العراق. ولم يكن هذا عملًا في إطار الدفاع عن النفس لأن العراق لم يهجم على أميركا، والحرب لم تقع بتفويض من مجلس الأمن، بالتالي كانت غير شرعية.
لقد حافظ الغرب على قواعد 1945. لكنه الآن يتوقف عن المحافظة عليها، فمن سيقوم بالمحافظة على هذه القواعد؟


الصين تقرر زعامة العالم

ماذا سيجري إذا قررت الصين زعامة العالم؟ في الإجابة على هذا السؤال يقدم الخبير العالمي كيشور محبوباني ثلاثة مقترحات بهذا الخصوص. الاقتراح الأول هو إذا قررت الصين زعامة العالم أو بالأحرى خدمة العالم، فإنه لا يجب ان تقوم بهذا الأمر بمفردها، بل بالشراكة مع دول أخرى، حتى لا تشعر هذه البلدان بالخوف والتهديد من الصين المتزعمة العالم.
وهو يقدم مثالًا على ذلك ما حدث في مؤتمر كوبنهاغن عندما تعرضت الصين لكثير من الضغوط من أميركا وأوروبا لبذل المزيد من الجهد على صعيد الاحتباس الحراري، فإنها لم تحارب بمفردها، بل بدلًا من ذلك تعاونت مع الهند. ولأن الصين والهند كانتا تعملان معاً، لم يبد الموقف الصيني غير مقبول، وكان هناك تأييد من بلدان أخرى أيضاً في الاجتماع.
والاقتراح الثاني أنه عندما تسعى الصين إلى خدمة العالم، فإنها لا تحتاج للبدء من الصفر، ولا يتعين عليها ابتكار مبادئ جديدة، بل استخدام المبادئ التي تم تأسيسها من قبل. على سبيل المثال، في مجال التجارة، فإن مبادئ التجارة الدولية التي تم تأسيسها بدفع من كل من أميركا وأوروبا، يمكن أخذها نفسها والعمل على دعمها، لأن هذه المبادئ هي جيدة وتخلق فرصاً متساوية لكل البلدان للتنافس في إطارها. والاقتراح الأخير هو أن تستفيد الصين من فضيلة قديمة جداً في الثقافة الصينية، وهي التواضع، على نقيض العجرفة الأميركية.a
قواعد

يتوقف الغرب عن المحافظة على قواعد السياسة الدولية لعام 1945، فمن سيقوم بالمحافظة على هذه القواعد؟ ولا يمكن افتراض استمرار القواعد التي وضعها الغرب عام 1945، إذا لم يقم أحد بالمحافظة عليها. لكن عندما تقوم الصين بتوفير الزعامة العالمية، يجب أن تقوم بما يتناقض تماماً مع ما فعله الأميركيون المتعجرفون جداً، لاسيما بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1990.
والواقع هو أن الأميركيين لا يعطون قيمة للتواضع، لذا يمكن ان توفر الصين نوعاً مختلفاً من الزعامة العالمية، من خلال التحلي بالتواضع والاستماع إلى الآخرين. فمن أسباب معاناة الأميركيين خلال السنوات العشر الأخيرة من المشكلات، أنهم توقفوا عن الاستماع إلى باقي العالم.
لكن إذا وفرت الصين الزعامة العالمية، واستمعت إلى باقي دول العالم، فإنها ستكون نوعاً آخر أفضل بكثير من الزعامة العالمية.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار