٢٨ صفر ١٤٣٣

"الصواينه" غير !


بقلم : سهير جرادات
لأول مرة أحظى بشرف مراقب على انتخابات رئاسية وبرلمانية جرت مؤخرا في تايوان- جمهورية الصين ، وذلك بصفتي عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحفيين .
فكانت انتخابات فريدة بجمعها بين الرئاسة والبرلمان، لتخفيض النفقات على الحكومة، وتوفير تكاليف الكوادر العاملة في عمليات التسجيل والفرز، وفريدة أيضا لأنها أول مرة تترشح  فيها سيدة للرئاسة، وكادت أن تكون شهادة على انتخابات تدفع بهذه السيدة إلى منصب الرئيس، إلا أن الحظ لم يحالفها، بعد أن خسرت بفارق بسيط، بعد منافسة شديدة بين حزبين، وتميزت كذلك بتزامنها مع الاحتفالات برأس السنة الصينية التي تصادف في الثالث والعشرين من كانون الثاني.
أعود للبداية .. منذ أن وصلنا إلى مطارتايوان، كانت الحركة نشطة جدا ، وعندما سألت، عرفت بأن جميع "التواينة" الذين يعيشون في الخارج يعودون إلى بلدهم للمشاركة والإدلاء بأصواتهم،  حيث يوجد في الصين مليونا تايواني، حرصوا على التواجد لعدم إمكانية التصويت عبرالانترنت.
وعندما دخلنا إلى تايوان، كانت مظاهرالانتخابات ظاهرة على شوارعها، من الدعايات والإعلانات، التي لا تتجاوز الشبرين بارتفاع نصف متر، حيث وضعت بطريقة، لا تحجب الرؤية عن المارة، ولا يمكن أن تشاهد لافتة تالفة على الجسور أو بجانب الأنفاق، حيث لا يوجد أي " دوار " في تايوان ، فسياسة الدوران حول نفسك غير متبعة لديهم .
 أما الدعايات فتغيب عنها الشعارات المطلقة، مثل القضاء على الفقر والبطالة والفساد ، ولا يمكن أن تشاهد يافطة ممزقه اعتدى عليها منافسين، مثل ثقب عين مرشح ، أو شطب كلمة أو إضافة كلمة تسيء للمرشح الآخر.
في ليلة الانتخابات، عقد كل مرشح للرئاسة احتفالا خطابيا لمؤيديه في منطقة بعيدة عن المرشح الآخر، حتى لا يحدث صدام بينهما،ومع وصول عقارب الساعة إلى العاشرة مساء أطفأت الأنوار، إعلانا عن توقف الدعاية الانتخابية حسب القانون ، أما النواب ، فلا " صيوان " لهم ، انما يعتمدون على زيارة الناخبين في مواقعهم ، ولهم مكاتب صغيرة خاصة بهم ، تقدم فيهاا لحلويات مثل "التوفي " ، وملبس  بالوان متعددة، يشبه لدينا (المخشرم ) لكنه صيني ، والفول السوداني( الفستق ) الذي يشتهرون به .
 وتقدم  للناخب"تعويذة" بداخلها خيط مبارك من أحد المعابد المنتشرة في تايوان حسب معتقداتهم، أما نحن فالتعويذة، لدينا المنسف أو الكنافة .
في يوم الاقتراع ، تستقبل المدارس المقترعين  البالغ عددهم 18 مليونا الذين تخصص لهم قاعات محددة فقط ضبطا لسير الانتخابات، ويحضرون  هويتهم الشخصية، وهوية أخرى تؤكد على شخصيتهم ،لتتطابق مع الكشوف الموجودة، ويتم التأكد من العمر، لأن سن الاقتراع لديهم 20 عاما  ، كما يحضر الناخب "ختمه" الخاص ، ففي تايوان لكل فرد ختمه يحمله أينما ذهب ، وهو شبيه بالختم الذي تحمله الحجة ( أم عقاب ) في ( عبها ) لتستخدمه في البصم عند التنازل عن حقها بالإرث لصالح الشقيق، كونها أمية ، أو الذي يحمله (المختار ) لقضاء حاجات الناس وهو في الباص أو عند "الخضرجي ".
 اما " المراحيم " في تايوان ، فلا يحق لهم التصويت ، ويخصص رقم مجاني للإبلاغ عن أي عملية  لشراء الأصوات ، الذي يحدث على نطاق ضيق في الأرياف حيث تقل نسبة التعليم .. اطلب النزاهة ولو بالصين.
 وفي ساعة الحسم ، بعد انتهاء التصويت،في تمام الساعة  الرابعة بعد الظهر، حيث لا يحتسب " الوقت الضائع "ليتم الفرز مباشرة بطريقة يدوية ، بحد أقصى ثلاث ساعات، وبعد ذلك يتم احتساب الأصوات آليا في المركز الرئيسي في العاصمة ( مثل قاعة وزارة الداخلية لدينا ) .
 وعند إعلان النتيجة  تنهمر دموعمن يخسر مرشحهم  بصمت ، فيما تعلو هتافات الفرح لمؤازري المرشح الفائز، دون الإساءة للآخرين ،(كما ترجم لنا )،ويتقبل الجميع النتيجة حتى المعارضة، فلا تهديد ولا وعيد ، ولا عبارات تؤكد بأنالانتخابات غير نزيهة .
والجهةالخاسرة اعتذرت لمؤيديها لأنها خذلتهم ، وحسب التقاليد قدمت استقالتها من الحزب ،وبالمقابل فان  الحزب الوطني الصيني الفائز بالرئاسة، قدم الشكر لمن أيده ،ودعاهم  حسب القانون إلى الاحتفال في هذه الليلة ، وفي  اليوم التالي" سيكون للعمل، لأن من ينجح عليه تنفيذ جدول الأعمال المتخم بالبرامج".
أما النواب فيا للمفارقة، فهم يتنافسون على   123 مقعدا يمثلون 23 مليونا ، فيما نحن لدينا  120 نائبا لخمسة ملايين ونصف   ! .
والنائب الفائز يجوب بسيارة مزودة بسماعة شوارع منطقته؛ليشكر ناخبيه الذين أوصلوه إلى البرلمان التايواني،  المسمى (صانع القوانين) وليس مجلس خدمي ، حيث لا يسمح للنائب تنفيذ أمور خاصة كالحصول على وظيفة ، أوطبعة تكسي ، أو خط باص، أو مد شارع لمزرعته الخاصة ، وما يتم طلبه أمور تتعلق بالشؤون العامة ، ليستفيد منها عدد كبير من الناس ، كفتح شارع أو تغيير اتجاه لشارع ،وغيرها.
 تايوان ليست بعيدة عن حالات الفساد ،فالرئيس الأول لها، محكوم عليه بالسجن لمدة 19 عاما، بعد ثبوت تحويله مع زوجته  ( كالعادة بلاء القادة من زوجاتهم كما حدث في تونس ومصر ) أموالا إلى حساب خاص في سويسرا .
يشد انتباهك حماماتهم العامة التي تعتمد (المرحاض العربي ) ، لتؤكد على أن تايوان تهتم بسياستها الخارجية، التي تواجه صعوبة في بناء علاقات خارجية مع الدول التي تربطها علاقة جيدة مع الصين، التي تطلب قطع العلاقات مع تايوان ، أكثر من اهتمامها بالشؤون الداخلية التي تركتها بحالة لاتوحد ولا استقلال مع الصين ، كما هو الحال لدينا فنحن أيضا لا نهتم بالقضايا الداخلية ، فلا عربي ولا افرنجي ، لانه لا يوجد  لدينا حمامات عامة أصلا ،وإذا وجدت يكون فرنجي، فكل" فرنجي برنجي" .
السياسة الخارجية هالله هالله والداخلية يعلم الله...

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار