٢١ محرم ١٤٣٣

الكشف عن مصدر الحضارة الصينية

تم تركيز النقاش عن مدى عمق حضارة الصين، باعتبارها  احدى حضارات العالم القديمة، بين العلماء الصينيين والغربيين في السنوات الاخيرة.
و كانت وجهات النظر التقليدية للأوساط  العلمية في البلاد  ان حضارة الصين تبلغ خمسة آلاف  سنة، ووفقا لآخر ما توصل إليه الأثريون  من نتائج دراسية ان زمن الحضارة الصينية اطول من ذلك.
وقال وانغ جي هواي، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية  ان العلماء الغربيين طرحوا وجهة نظر في مطلع القرن الـ20 مفادها أن الحضارة الصينية نشأت من الغرب ، معتقدين ان الحضارة الصينية مصدرها  الحضارة البابلية القديمة ويبلغ مدى زمنها 4000 سنة، وفي منتصف القرن  الـ20، حدد العلماء الغربيون طول الحضارة الصينية بـ3400 سنة فقط وفقا لشروط ترمز إلى دخول مرحلة "الحضارة" ( وجود الكتابة النظامية والأدوات  البرونزية والاسلحة  والمدن ذات الوظائف الدفاعية  والتجارية والمباني الدينية الكبيرة).
وقال وانغ جي هواي انه قبل 100 سنة لم تكن اعمال الاستكشاف  الأثرية  في الصين قد بدأت بعد ولم يتم اختراع  وسيلة حساب عمر الأحافير باستخدام الكربون 14، ويقدر الناس جذور الحضارة الصينية استنادا الى السجلات  التاريخية أو الاساطير فقط . وعلى هذه الخلفية  فليس لدى الصين وسيلة سوى ان تترك البلدان الغربية لتعلق على طول الحضارة الصينية كما يحلو لها قبل ان تجد أي دليل على مصدر حضارتها.
ويعتقد بعض المؤرخين ان خلفية طرح وجهة النظر " خمسة آلاف  سنة من الحضارة الصينية" تخضع لقيود من العوامل المختلفة.
ووفقا لاستكشافات  المؤرخين، فإن وجهة النظر " خمسة آلاف  سنة من الحضارة الصينية" مصدرها " صون يات صن اصبح رئيسا مؤقتا، وتعد السنة الـ4609 لعصر الامبراطور الاصفر  (هوانغ دي ) هي السنة الاولى  لجمهورية الصين". 
ويقول الخبراء ان ذلك يتبع تعبير "الوثائق التاريخية" لسيما تشيان التي تسجل ان عصر الامبراطور الاصفر  هو بداية التاريخ الصيني القديم ، وطرح ذلك الحزب الثوري الصيني  الذي يقوده صون يات صن تلبية لاحتياجاتهم  الدعائية  للثورة تحت شعار " طرد المستعمرين واستعادة الصين في أواخر عهد أسرة تشينغ "، وليس من اجل البحث العلمي .
ومع تطور الاعمال  الاثرية  في الصين، بدأت تظهر المزيد من المواقع الاثرية  في انحاء البلاد  أمام العالم.
ومن بين هذه المواقع، هناك ما يجمع الآثار الاجتماعية  الكبيرة من الآثار الحضارية التي مضى عليها أكثر من  5000 سنة : يانغشاو في حوض النهر الاصفر ، هونغشان في منطقة منغوليا الداخلية ، تسيشان في مقاطعة خبي ، بيليقانغ في مقاطعة خنان، داديوان في مقاطعة قانسو، هولي في مقاطعة شاندونغ، شينغلونغوا، سونغتسه في حوض نهر اليانغتسي .
بالاضافة  إلى ذلك، تم اكتشاف مزمار يعود تاريخه إلى ما قبل 9000 سنة ويمكن استخدامه لعزف الموسيقى الحديثة  في وويانغ بمقاطعة خنان, ووجد في منطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ فخاريات يعود تاريخها إلى ما قبل عشرة آلاف  سنة.
ويقول الخبراء ان عددا كبيرا من هذه الاكتشافات  الاثرية  تعد أدلة قوية على ان طول الحضارة الصينية اكثر من 5000 سنة، الامر الذي يجعل العلماء الغربيين يغيروا وجهة نظرهم  بشكل متكرر.
وفي الواقع، اطلقت الصين البحوث المشتركة بين التخصصات المتعددة ضمن مشروع " مصدر الحضارة الصينية" منذ عام 2001 تحت اشراف وزارة العلوم والتكنولوجيا ومصلحة الدولة للآثار  وغيرها  من الوزارات والهيئات ، ويهدف المشروع  إلى الكشف عن ثراء وانجازات الحضارة الصينية في مراحلها الاولى  والوقت والمكان والعملية والأسباب  والآليات  لتشكيل الحضارة الصينية.
وفي منتدى لثقافة تسيشان عقد في مقاطعة خبي  مؤخرا، اشار الخبراء المشاركون في اوساط العلوم والتكنولوجيا والآثار والتاريخ إلى ضرورة اعادة النظر في وجهة النظر " خمسة آلاف  سنة من الحضارة الصينية".
تقع آثار تسيشان في مدينة ووآن بمقاطعة خبي، حيث اكتشف علماء الآثار بها 88 قبوا للحبوب تم فيها تخزين  حوالي 50 الف كيلوغرام  من الذرة والدخن , كما تم فيها العثور على عدد كبير من الفؤوس والمناجل والمجارف والسكاكين الحجرية وغيرها  من أدوات الانتاج  الزراعي  واحجار الرحى وقضبان الطحن وغيرها  من أدوات معالجة الاغذية   وعظام  الدجاج  والخنزير والكلاب  والغنم والأيل  والبقر وغيرها  من 23 نوعا  من الحيوانات.
ووفقا لنتيجة التقييم العلمي لبعض العينات الغذائية بفضل فريق الآثار  العلمية بقيادة الدكتور ليوي هو يوان، الباحث في معهد الجيولوجيا والجيوفيزياء التابع للأكاديمية  الصينية للعلوم ، فإن اطلال  تسيشان ليست فقط مسقط رأس الذرة في العالم، بل هي مصدر الدخن ايضا، وقد يرجع  تاريخ زراعة  الدخن في حوض النهر الاصفر  إلى ما قبل عشرة آلاف  سنة.
    " سعة التخزين بـ50 ألف كيلوغرام  من الذرة والدخن قبل عشرة آلاف  سنة تدل على المستوى العالي للتنمية الزراعية  الصينية في ذلك الحين"، على ما قاله تشياو دنغ يون، رئيس معهد بحوث الآثار لمدينة هاندان في مقاطعة خبي، مضيفا ان " اعمال  العلماء لتقييم عظام الكلاب  والدجاج والخنازير وغيرها  من الحيوانات في تلك الانقاض  تدل على ان مواطني تسيشان بدأوا تربية الدواجن والمواشي قبل 8000 سنة، الامر  الذي يفند وجهة النظر " نشوء الدجاج  في الهند منذ 4000 سنة".
ويعتقد الخبراء ان تاريخ الحضارة الصينية يتجاوز عشرة آلاف  سنة بناء على  الأدلة  الأثرية  المتاحة حاليا، ومع تطور التكنولوجيا والعلوم والأعمال  الأثرية  داخل البلاد ، ستظهر المعالم الحضارية لفترات ما قبل العصور المعروفة أكثر فأكثر، ولذلك يبدو ان وجهة النظر " خمسة آلاف  سنة من الحضارة الصينية " تقلص مدى الحضارة الصينية بصورة ملموسة.
وقال وانغ جي هواي ان نشوء الحضارة لديه اصل، وتنشأ ظاهرة الحضارات الجديدة على اساس حضارة الحراثة الزراعية  والصيد في المراحل الاولى ، ولا يمكن نفى وجود الأطلال  الأثرية  والظاهرة الحضارية بسبب عدم وجود السجلات  الحرفية.
وقال ليوي هو يوان انه في السنوات الاخيرة ، استخدم العلماء  والمجموعات  البحثية في الدول الغربية الخبرة البحثية وانجازات  دراساتهم  للحضارة اليونانية  القديمة  والحضارة المصرية القديمة  وحقهم المطلق في الكلام  للعمل بنشاط مع نظرائهم  الصينيين، ونشروا العديد من الأفكار  الجديدة لنشأة الحضارة الصينية في العالم، مضيفا ان العلماء الصينيين لديهم حاجة ملحة لتقديم أدلتهم  ووجهات النظر الخاصة بهم.

في السنوات الاخيرة، توصل العلماء الصينيون إلى منجزات في دراسة الحضارات القديمة باستخدام تقنيات واساليب جديدة، ولكن الاعمال  المعنية كانت متفرقة والتعاون والتداخل بين التخصصات المختلفة ليس عميقا فضلا عن انعدام البحوث المعترف بها دوليا، وذلك لا يتطابق مع تاريخ تنمية الصين الطويل والموارد الطبيعية والأثرية  الغنية فيها فحسب، بل لا يناسب مكانة الصين في الساحة الدولية في الوقت الراهن ايضا" ، على ما قاله ليوي ، معتقدا بأنه " من الضروري وجود العديد من العلماء في التخصصات  المتعددة لاجراء البحوث المشتركة على المستوى الوطني ودارسة اصل الحضارة الانسانية  في الأزمنة  القديمة

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار