٢٢ محرم ١٤٣٣

هل «يُؤثّر» الربيع العربي.. على الصين؟!

محمد خروب - ربما يبدو السؤال للبعض ساذجاً.. بمعنى أن لا «بلد» على المعمورة في منأى عن أصداء وتداعيات هذا الربيع العربي المفاجئ والأنيق وغير المسبوق في دلالاته ورسائله، وخصوصاً انه صادر عن «منطقة»، بدا للعالم أجمع، أنها مستكينة للاستبداد، وقابلة بالخنوع على نحو باتت فيه وكأنها ثقافة راسخة في مجتمعات «ميتة» لا رجاء فيها وبخاصة بعد أن لم تعرف طوال فترة ما بعد الحقبة الاستعمارية أو ما يوصف بمرحلة الاستقلال الوطني، تداولاً سلمياً للسلطة أو حياة ديمقراطية أو حتى مجتمعات مدنية ذات حضور وادوار ونفوذ، ناهيك عن «خلود» الحاكم العربي ومعرفته المُسبقة بمسار حقبته، فهو من القصر إلى القبر بإرادة ربانية أو من القصر إلى السجن أو غرفة الإعدام بانقلاب عسكري يبدأ بالبيان رقم واحد، يخلع على الانقلاب صفة الثورة التي من طبائعها أصلاً الاستمرارية والبقاء إلى ما شاءت وكالات الاستخبارات الأجنبية وعلى رأسها (سي أي إيه) التي يلجأ إليها الجنرالات «الثوار» الذين عادة ما يتخفّون خلف حزب أو جماعة دينية أو يكون العداء «الإعلامي فقط» لإسرائيل والصهيونية ولا مانع من إضافة الامبريالية الأميركية لزوم تجييش (اقرأ تضليل) الجماهير والحصول على الشرعية الثورية (البلاغية بالطبع) التي تطرب له الأذن العربية.
هي إذاً لحظة تأسيسية تلك التي «قررّها» محمد البوعزيزي في مثل هذا اليوم من العام الماضي، ابن البلدة المنسيّة المتواضعة المسماة «سيدي بوزيد ما تسبب في هبوب «رياح» الربيع العربي التي كانت مدهشة ومنعشة، بقدر ما كانت مفاجئة ومحمّلة بالدم والدموع والمرارات والعذابات وقبل كل شيء بالأمل، إذ ليس لدى الجمهور العربي (في غالبيته الساحقة) ما يخسره، بعد ان تحول العرب إلى رعايا وغدا الحاكم العربي متحكماً بكل شيء في حياتهم وراح عسسه وبطانته الفاسدة يعيثون في البلاد ومصالح العباد فساداً ونهباً، حدود القتل والاستباحة ودائماً في الاتكاء على حماية عواصم القرار الغربية وقواته وأجهزته، التي ارتهن البلاد وسيادة الوطن لقراراتها.
نحن إذاً أمام عنوان العجالة مرة أخرى.. ومناسبة طرحه هي المحاضرة التي استمعت إليها في منتدى المدارس العصرية وألقاها البروفسور مسعود ضاهر رئيس رابطة الصداقة والتعاون اللبنانية الصينية، وكان «ارتجاله» للموضوع أسهم في «إضاعة» العديد من الإضاءات والمحطات التي لامسها المحاضر بسرعة او سهى عنها (لا فرق)، وبخاصة ان الصين المنهمكة في قضاياها الداخلية، واللاهثة خلف «شراء» المزيد من الوقت والفرص، لتسريع نموها وتوسيع قاعدة تنميتها بشرياً وتكنولوجيا، والطامحة في الآن ذاته للعب دور «مركزي» على الساحة الدولية، في اطار نهج «الصعود السلمي» الذي تصر على استمراره رغم تشكيك الولايات المتحدة خصوصاً وتحديداً في ذلك، وانتقاداتها المتواصلة لبرنامجها العسكري او خططها الاقتصادية والمالية والتجارية ان لجهة رفضها «رفع» سعر صرف عملتها الوطنية (اليوان) أم لجهة الاختلالات العميقة في ميزان التجارة الثنائية المائلة بشدة لصالح بيجين، فضلاً بالطبع عن كون الصين هي «الدائن» الاكبر للولايات المتحدة عبر شراء السندات الحكومية الاميركية.
نقول: الصين هذه، لاعب مؤثر (حتى لا نقول قوياً او رقماً صعباً، فهي تُقدم المصالح على الايديولوجيا رغم النظرية التي يهتدي بها الحزب الحاكم) في معادلة الشرق الاوسط وملفاته وما حدث في ليبيا اصابها (كما روسيا) بصدمة و»أجبرها» على استخدام الفيتو ضد قرار (اوروبي) بريطاني الماني فرنسي بدعم وتحريض اميركي سافر يستهدف ادانة سوريا وفرض عقوبات عليها، وهي كانت قررت استخدام الفيتو حتى وهي على علم بأن موسكو تسير على الطريق ذاته.
هنا، وان كنا ابتعدنا قليلاً عن شرحات الدكتور ضاهر، فان ما لفتني في مقاربته هو قوله ان «الصينيين» لا يعلمون كثيراً عن ملابسات الربيع العربي وهو - د. ضاهر - انخرط في حوارات طويلة ومعمقة مع طلبة جامعات عديدة في مدن صينية مختلفة، بدت الدهشة فيها غالبة على انطباعات (ومعلومات) الطلبة الصينيين اكثر مما كشفت عن المام بالتحولات (غير المعروفة مآلاتها) التي احدثتها انتفاضات الربيع العربي على المجتمعات العربية، وعلى الاقليم وبعيداً على شعوب المعمورة ودولها.
العلاقات العربية الصينية في المرحلة المقبلة مرهونة بالمدى الذي تستطيع فيه الشعوب العربية اطاحة «المزيد» من انظمة الاستبداد والفساد أو دفعها الى إحداث تغيير عميق في بنيتها الراهنة غير المقبولة وغير القابلة للاستمرار في نظر الجميع..
ماذا عن الصين؟
هي تبحث عن مصالحها اولاً وهذا حقها، واستجابتها او تجاوبها مع استحقاق هذه الانتفاضات، مرهون بمدى ما تصيبه (الانتفاضات) من نجاحات وما تضمنه من مصالح مشتركة مع الصين ومع غيرها...على حد سواء.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار