تحرص الصين على تدريس العربية، كما لو كانت عربية من الفها إلى يائها!. لم تكن هذه تمنيات أو أحلاماً في يقظة. إنما هو واقع عايشته خلال زيارتي الى الصين، وأعايشه راهناً، خلال زيارتي بدعوة وجهّت لي من إذاعة الصين الدولية، بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسها، وبعد أربعين سنة من مراسلتها والإستماع إليها. 
 في الصين توجد قومية إسمها (هوى)، ويدين أتباعها بالإسلام، وتشجّعهم الدولة الصينية وحكوماتها على طرق باب العربية، والتعاون مع العرب والتعرّف إليهم، ومراسلتهم، فاكتساب مهارات اللغة منهم، وآليات التألق المهني من خلالها، في مناحي أعمالهم المختلفة، كنشطاء في شركات خاصة، ومؤسسات حكومية، وجامعات ومعاهد تعليمية وعلمية. عديد الناطقين بالعربية في أوساط هذه الأقلية وصل الى ثلاثة آلاف شخص، برعوا في البلاغة العربية، وعلومها، ووضع الدراسات عنها.
 شارك ممثلو هذه القومية، وممثلو قومية (هان) الصينية الكبرى، في حفل ضخم ترأسه ورعاه نائب وزير الخارجية الصيني (تشاي جون)، وحضره مسؤولون صينيون كبار، وعدة آلاف من الصينيين، الرسميون منهم وممثلو الرأي العام، والجامعات والمعاهد المشتغلة بالعربية في الصين، والسلك الدبلوماسي العربي وعلى رأسه السفراء والملحقون الثقافيون والإعلاميون، والإعلام العربي، بفضائياته وصحفه ووكالات أنبائه الرسمية والخاصة. 
 وشاركت في المسابقة أقسام اللغة العربية في23 جامعة ومعهداً من مختلف أنحاء الصين الشاسعة، تصارع فيها سلمياً باللسان والكلام والفصاحة والمبارزة الشعرية والكتابة والقواعد، تلاميذ العربية الصينيون من السنوات الدراسية الثانية الى السنوات السادسة، وأثار هؤلاء دهشة أعضاء لجنة التحكيم العربية الصينية المشتركة، بمستواهم الرفيع بمعرفة العربية ربما أفضل من عدد كبير من العرب أنفسهم(!)، ووزعت الجوائز القيمة على18 فائزاً من جامعات مختلفة في عموم الصين، وتبرعت المملكة العربية السعودية وقطر، وحكومات وفضائيات عربية بتدريس الفائزين بالكامل على نفقتها، والتكفل بجميع مصاريفهم وتكاليفهم المعيشية والعلمية، وتقديم أماكن عمل إليهم في الفضائيات العربية، وبيوتات اللغة والقطاعات الإقتصادية والتجارية المختلفة!.
 تتطور وسائل تعليم العربية في الصين، ويزداد عديد الدارسين لعلومها، بدعم من حكومة الصين وبعض الحكومات العربية، ويعود السبب في ذلك الى تعمّق الصِلات الإقتصادية والتجارية النشطة، والسياسية أيضاً بين الطرفين الصيني والعربي، ويتم إبتعاث عدد كبير من الصينيين المتقنين للعربية الى المشاريع الصينية في الدول العربية، خاصة النفطية، والى الاردن أيضاً، حيث يعمل أكثر من ثمانية آلاف صيني في المصانع والمشاريع الصينية في المملكة، ويساهمون على الدوام في رفد الإقتصاد المحلي بقيمة مضافة مَحسوسة، بينما وخلال الأيام المقبلة، سيفتتح في المملكة أول مكتب للفضائية الصينية الناطقة بالعربيةCCTV، وسيعمل فيها أيضاً مراسلون يتقنون الضاد بطلاقة، وسيساهمون بالتأكيد بنقل الأحداث الاردنية عبر فضائيتهم الموضوعية التوجه، علماً بأن العديد من الفضائيات الأجنبية، تتهرب أو ترفض فتح مكاتب لها لتغطية الأحداث الاردنية، أو أنها تبتعث الى الاردن صحفيين لا يتقنون العربية، فتبدو أخبارهم باهتة ولا معنى لها، فيصار بالتالي الى إغلاق مكاتبهم بالتدريج بأوامر من مراكز فضائياتهم في العواصم الكبرى ووراء المحيط!.
marwansudah@hotmail.com