٠٨ محرم ١٤٣٢

لماذا قاطعت مصر حفل نوبل ؟



حين أوجه التحية إلي القاهرة، لأنها وجهت سفير مصر في أوسلو لعدم حضور حفل منح جائزة نوبل للمنشق الصيني (ليوتشياو بو)، فإن هذا لا يمكن اعتباره موقفاً مني ضد حقوق الإنسان وناشطيها. هذه التحية هي اعتراض علي تسييس جائزة نوبل وتحولها المستمر عن غرضها الأساسي.. وتوظيفها في الصراعات الدولية.. وليس أن تبقي قيمة من أجل سلام الإنسانية.

ليس هذا حكماً إجمالياً علي الجائزة.. هي في حد ذاتها ومنذ أطلقها مؤسسها مخترع الديناميت الشهير (الفريد نوبل) عمل سنوي نبيل..لا أتبني مواقف تآمرية ضد الجائزة كما يفعل بعض من يعتقدون أنها أداة في يد الصهيونية الدولية والإمبريالية العالمية.. وهذا الكلام الكبير المشابه.. وإنما أتعامل معها قياساً علي منطقها الأصيل.. فإن التزمت به أيدتها.. وإن خرجت عنه لابد أن نسحب منها احترامنا.

إن مؤسسة الجائزة في أحيان كثيرة تلتزم بالمعايير الداعمة للسلم الإنساني.. وحينها (توفق).. وفي أحيان كثيرة أيضا لا تلتزم بنفس المعايير وتبدو كما لو أنها (تلفق ).. وفي حالة المنشق الصيني (تشياو بو) خالفت اللجنة التي تقرر اسم الفائز بالجائزة ما يمكن توقعه من قياسات علي أساسها يمكن أن تقرر ما إذا كان هذا أو ذاك قد خدم الإنسانية.. إذ بغض النظر عن قيمة الأهداف التي يسعي إليها المنشق الصيني.. فإنه لم ييسر أي سلام.. ولم يؤد إلي إيقاف حرب.. ولم يوائم بين بشر.. إنه مجرد معارض يريد كما تقول الصين أن يؤدي إلي تفتيت وحدتها.. وقد يكون اتهام بلده له صحيحاً وقد لا يكون.. لكن المؤكد أن هذا المنشق لم يخدم السلام في أي مكان بالعالم.

أين هذا من (بيتي ويليامز وميريد كوريجان) مؤسسي حركة السلام في أيرلندا الشمالية.. والأم تريزا راعية الأيتام الكاثوليكية الشهيرة.. ونيلسون مانديلا.. وياسر عرفات.. وأنور السادات.. وجودي ويليامز مسئولة حملة نزع الألغام.. وجيمي كارتر.. وروزفلت.. والفائز الأول بها في عام 1901 جان هنري دونانت رئيس لجنة الصليب الدولي وغيرهم.. ولن أتحدث هنا عن المبررات غير المقنعة حتي الآن لمنح الجائزة إلي الرئيس الأمريكي أوباما الذي لا أعتقد أنه هو نفسه يعرف لماذا فاز بها قبل أن يفعل أي شيء.. فقد كان رئيساً جديداً.. تحدث عن توجهات ولم يقم بأفعال.. ما هز مصداقية الجائزة مرة أخري.

لقد نهجت الجائزة علي مدي عمرها مجموعة أساليب لمنح الجائزة.. الأول هو حجبها خصوصاً في أعوام الحروب العالمية.. والثاني منحها من أجل من قاموا بجهد تفاوضي حقيقي لإنهاء نزاعات معقدة.. وغالباً ما كانت تمنح في هذا السياق لوسطاء دوليين أو طرفي اتفاق سلام (السادات - بيجين.. وعرفات - رابين.. ومانديلا - ديكليرك).. والثالث لمنظمات دولية أو إقليمية قامت بجهد إنساني مؤثر.. والرابع مجاملة لبعض الأشخاص مثل كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة السابق أو جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي الذي فككه.. والخامس منحها لدعاة حقوق إنسان دوليين أو محليين.. وهذا الأسلوب هو الذي به منحت الجائزة لمن يستحق أو لا يستحق.

أحترم مثلاً منح الجائزة إلي مارتن لوثر كينج.. ولكنني لا أحترم استخدامها كأداة من أساليب الحرب الباردة ومنحها للمنشق السوفيتي السابق أندريه زخاروف.. وكذلك العودة لهذا الأسلوب القديم في الصراعات.. ومنحها إلي المنشق الصيني (ليوتشياو بو).

ومن ثم أؤيد موقف مصر، التي كانت واحدة من 18 دولة لم تحضر حفل تسليم الجائزة للذي حصل عليها هذا العام.. وقد كان من بين الممتنعين : روسيا - كوبا - السعودية - العراق.. وغيرها.. والرقم يعني أن 44 دولة فقط قد حضر ممثلوها الاحتفال.. وليس بقية دول العالم التي يبلغ عددها 198 دولة.. ببساطة لأن السفراء المعتمدين لدي النرويج هم 66 سفيراً.

لاشك أن الصين طلبت من مصر ألا تحضر الاحتفال كما طلبت من كثير من الدول.. ولكن مصر لم تحضر ليس من أجل خاطر الصين ومصالحها معها فقط.. وإنما من أجل المبدأ وهو ألا يتم تسييس الجائزة.. وألا تستخدم سلاحا ضد القيمة الإنسانية.. ما الذي يحدث لو منحت هذه الجائزة في العام المقبل لأي معارض عربي من أي دولة عربية.. لمجرد أنه يقوم بتنفيذ أجندة ترعاها الدول الغربية.. وقس علي هذا أموراً كثيرة.

ويمكنني أن أستوعب، دون أن أقبل أو أتفهم، الحملة الإعلامية التي تشن علي الدول التي لم تحضر الاحتفال، ولكنني لا أستطيع أن أفهم موقفاً مناقضاً تماما.. وهو الصمت الدولي المطبق علي واقعة جرت يوم 12 ديسمبر أي قبل يومين.. حين منعت إسرائيل مردخاي فانونو الذي كشف المعلومات عن البرنامج النووي الإسرائيلي.. من أن يسافر إلي برلين لنيل جائزة الرابطة الدولية لحقوق الإنسان.. حيث كان سيتسلم جائزة باسم كارل فون أوسيتيسكي.. وهو بالمناسبة فائز سابق بجائزة نوبل في عام 1935 وقضي في معسكرات النازي عام 1938 أي كارل.

فانونو، وهو تعريفاً منشق، كان يستحق جائزة نوبل.. ألم تكن المعلومات التي سربها مفيدة في التعرف علي ملف خطير يهدد السلم الدولي والإقليمي.. ألا تنطبق عليه معايير الجائزة ويكابد من أجل ما فعل منذ فعل.. لكنه لم يحصل عليها.. وحتي حين حصل علي جائزة أخري فإنه منع من استلامها.. وفي ظل السيطرة اليهودية علي وسائل الإعلام الدولية لم يتكلم أحد عن هذا الأمر.. ولم يحظ بأي مساندة.. ولم يقل أحد أنه منع.

موقف مصر جدير بالإشادة.. ولا بد من تحيته.. حماية للمصالح.. ومن أجل المبادئ.. ومراعاة للسوابق التي قد تكون لها لواحق عربية أو إسلامية.. واعتراضاً علي هذه المعايير السياسية لجائزة يفترض فيها أنها من أجل الإنسانية.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار