١٠ ربيع الأول ١٤٣٣

اطلبوا العلم و لو في الصين

عمر الجريفاني
هذا ليس موضوعاً فقهياً، إذ للفقه والشريعة رجالاتها، وإنما هو للاقتصاد انطلاقاً من شمول تلك الشريعة لمجالات الحياة جميعاً، ومناسبة الحديث الشريف تأتي من أن للصين ثقلا يشهد به القاصي والداني، إذ لا يوجد اليوم من لا يعرف ثقلها الدولي، وتأثيرها في خريطة الاقتصاد العالمي، كيف لا وهي ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة على مستوى العالم؟ ويتوقع لها أن تزلزل التصنيف الاقتصادي الحالي خلال السنوات السبع إلى العشر المقبلة، وتسحب البساط من أقدام المنافسين، فتعتلي قمة الهرم، وتصبح البلد رقم واحد اقتصادياً في العالم.

ولم تأت هذه التوقعات من فراغ، ففي آخر إحصاء نشر عن قيمة الناتج الإجمالي القومي في الولايات المتحدة بلغ نحو 14.6 تريليون دولار أمريكي trillion $14.4 GDP، نسبة مشاركة القطاع الصناعي فيه GDP تصل إلى 22.1 في المائة من إجمالي الناتج القومي، وقطاع الزراعي نحو 1.1 في المائة، أما قطاع الخدمات فقد احتل نصيب الأسد بنسبة 76.8 في المائة من إجمالي الناتج القومي، في حين بلغت نسبة البطالة في أمريكا نحو 9.6 في المائة.

ولو نظرنا إلى الأرقام المماثلة للمارد الصيني ـــ القادم بقوة لقيادة دفة الاقتصاد العالمي ـــ نجد أن قيمة الناتج القومي في الصين نحو 10.9 تريليون دولار أمريكي trillion $10.9 GDP، نسبة مشاركة القطاع الصناعي فيه GDP تصل إلى 46.9 في المائة، ونسبة القطاع الزراعي 10.2 في المائة، أما قطاع الخدمات فيشكل 43 في المائة من إجمالي الناتج القومي.

ولو نظرنا إلى أرقام الاقتصاد الياباني ـــ ثالث أكبر اقتصاد العالم ـــ نجد أن قيمة الناتج القومي تصل إلى نحو 4.31 تريليون دولار أمريكي trillion $ 4.31 GDP نسبة مشاركة القطاع الصناعي فيه GDP تصل إلى 24.9 في المائة، والقطاع الزراعي بنسبة 1.4 في المائة، أما قطاع الخدمات فتشكل ما قيمته 73.8 في المائة من إجمالي الناتج القومي.

منذ فترة ليست بالقصيرة حولت الولايات المتحدة استراتيجيتها الاقتصادية من دولة صناعية إلى دولة خدمات في جميع النواحي، وهذا يظهر في توزيع الناتج القومي للولايات المتحدة، إذ ظهر أن 76 في المائة من ذلك الناتج إنما يأتي من قطاع الخدمات، وعلى النهج ذاته سارت اليابان، إذ بدا واضحاً في توزيع الناتج القومي، حيث تعتمد اليابان على نحو 73.8 في المائة من القطاع الخدمي، ولحق بهذا الركب كثير من الدول، لكن يا للأسف!، فهذه الاستراتيجية ـــ رغم أرقامها الفلكية ـــ ليست سوى باب ظاهره الرحمة، وباطنه العذاب الأليم، فهي لا تعتمد على الارتقاء بالإنسان كمحور للحياة كلها على العكس من قطاع الصناعة الذي يحتاج لكي ينمو إلى العديد من الأبحاث والتطوير ذات النفقات الكبيرة، فلولا توفيق الله سبحانه للبشر، ثم اجتهاد العلماء لرقي ذلك البشر المستخلف في أرضه سبحانه لما وصل كل هذا التطور في جميع المجالات، إذ من كان يعتقد يوماً أن يستطيع الإنسان أن يصل إلى القمر ولكن بروية الواضح التي كانت في الولايات المتحدة في تلك الفترة استطاع الإنسان أن يصل إلى القمر كم وكم اختراع أنتجه الإنسان في هذه المرحلة وعاد على البشرية بالنفع الكبير في شتى المجالات الطب والاتصالات والطيران.

إن أبرز ميزات القطاع الخدمي، أو الخدمات العوائد في هذا القطاع سريعة ومجزية لكنها ليست مستقرة، وهذا واضح من اسم القطاع الخدمي الذي يخدم الأعمال، فإذا غابت الأعمال من سيخدم هذا القطاع؟ بمعنى أن التركيز على هذا القطاع وإغفال القطاع الصناعي - وهو الحلقة الأهم - المولد للوظائف، وصاحب القيمة المضافة للاقتصاد الوطني لحدث خلل في المعادلة الاقتصادية، وهذا ما حدث في منطقة اليورو، وما يحدث اليوم في الولايات المتحدة.

لقد أدركت الصين سر المعادلة الاقتصادية منذ فترة، وقامت بتوزيع سلة الناتج القومي بين قطاع الخدمات والصناعة بالتساوي تقريباً، ويتضح ذلك في توزيع الناتج القومي، حيث نجد أن الصناعة تشكل نحو 46.9 في المائة من الناتج القومي، بينما تشكل الخدمات نحو 43 في المائة، وبهذا تمت موازنة القطاعات وتعزيز التكامل بين القطاعات لتسير عجلة التنمية بسلام وازدهار.

السؤال المطروح: كيف تستفيد في دول مجلس التعاون من الصين والتجربة الصينية؟ لا بد أن نعيد ترتيب خريطة الاستثمار في دول الخليج، وندعم القطاعات التي تضيف قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني، بمعنى أنه إذا أردنا أن نكون رواداً في هذا العالم فيجب أن نعتمد على أنفسنا، ويجب أن ندعم القطاع الصناعي والمنتج الوطني، ويجب أن يكون هناك حس بالمسؤولية الوطنية من الشركات الكبرى وشبه الحكومية تجاه الصناعات الوطنية، هذه الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر دعمت قطاع صناعة السيارة والتزمت الحكومة بشراء كمية معينة من المصنعين كل سنة أعطى هذا دافعا وداعما قويا لقيام هذه الصناعة في الولايات المتحدة.

إن الثروة التي تنعم بها دول مجلس التعاون تكفي وتزيد على تحقيق جميع الأحلام والأهداف المؤجلة، فمن الممكن أن تنشئ شركات تخدم هذا المجال، ولا أعتقد أن هناك أي مستثمر سيتردد في الاستثمار مع الحكومة التي تضمن لها مبيعات معينة في كل سنة ولمدة معينة، وبهذه الآلية البسيطة نكون قد استثمرنا أموالنا بالداخل، ونوعنا سلة الناتج القومي، وخففنا الاعتماد على النفط، وأصبحت لدينا موازنة بالقطاعات، وهناك مثل قديم يقال (لا تضع بيضك كله في سلة واحدة) الصين نجحت، وقريباً ستكون الأول في العالم اقتصادياً.

صدقت المقولة المشهورة: ''اطلبوا العلم ولو في الصين''، فأين نحن من هذه المقولة؟

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار