٠٦ ربيع الأول ١٤٣٣

الصين تعزز قوتها العسكرية


في أواخر العام الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن استراتيجية عسكرية جديدة تقضي بتركيز القوة الأمريكية في منطقة آسيا - الهادي، لمواجهة القوة الصينية الصاعدة . وعلى الجانب الآخر، يرى كاتب صيني بارز أن صعود الصين سينهي السيطرة العالمية للغرب، ولو أن ذلك لن يعني نهاية القوة الغربية . وفي هذه الأثناء تواصل الصين تعزيز قوتها العسكرية .

في موقع “ذا دبلومات”، عرض زهانغ يولينغ، مدير معهد دراسات آسيا - الهادي وعضو هيئة استشارية سياسية لدى الدولة الصينية، رؤيته لمستقبل القوة الصينية الصاعدة، وكتب في مقال يقول:

منذ أن بدأت سياسات الإصلاح والانفتاح في الصين في أواخر السبعينات، كان متوسط النمو الاقتصادي السنوي في البلاد بحدود 10% . وفي الوقت الراهن، يحتل الناتج المحلي الاجمالي للصين المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة . والصين هي اليوم أكبر مصدر ومستورد في العالم، كما أنها تملك أكبر احتياطي للعملات الأجنبية في العالم، وإلى جانب الصعود الاقتصادي البارز للصين، تعاظم دور الصين بقدر مهم في التنمية والحوكمة على الصعيدين الإقليمي والعالمي .

وبينما تترنح اقتصادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان نتيجة لنمو ضعيف وثقل ديون مرهق، برزت الصين كمحرك رئيس للنمو الاقتصادي العالمي، إذ تسهم، إلى جانب اقتصادات رئيسة أخرى، بنحو ثلثي الناتج الاقتصادي العالمي الجديد . وكما يرى كثيرون من الباحثين، يجري حالياً تحول في ميزان القوى باتجاه آسيا، والصين هي في قلب هذا التحول الآسيوي .

وحسب العديد من توقعات الخبراء والمؤسسات المتخصصة، فإن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030 . وقد استفادت الصين كثيراً من الاندماج في السوق العالمي والمشاركة في النظام الاقتصادي الدولي القائم، لأن هذا ساعدها على إصلاح نظام التخطيط المركزي الذي كانت تعتمده في الماضي، وعلى استيعابها بسرعة في الاقتصاد العالمي . وهذه العملية مهيأة للاستمرار في المستقبل، لأن الصين ليس لديها أي سبب يدعوها لعكس مسار كان له مثل هذه النتائج الايجابية . وبحكم كونها قوة صاعدة جديدة، ستصبح الصين بطبيعة الحال لاعباً أكثر أهمية في صنع التطور والحوكمة على كلا الصعيدين العالمي والإقليمي .

وفي هذا الإطار، لدى الصين شاغل كبير، هو كيف تدير علاقاتها مع الولايات المتحدة . وهذه العلاقة تشمل اليوم كلا الرخاء الاقتصادي والأمن السياسي . ومن منظور الصين، طالما أن أمريكا تعترف بمصالحها وتتكيف معها  سواء في ما يتعلق بنموها الاقتصادي المطرد أو باضطلاعها بدور أكبر في الشؤون العالمية  فإن الصين لن تتحدى قيادة الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية . والاختلافات بين البلدين يمكن التوفيق بينها، حيث إن مصالحهما الخاصة تتداخل أكثر مما تتغاير .

ومن خلال التركيز على أهداف مشتركة، مثل النمو والازدهار العالميين، بإمكان الصين والولايات المتحدة ارساء وتعزيز شراكة تفيد كلا البلدين، وكذلك بقية العالم . ومن خلال العمل التعاوني في مجالات التجارة والمالية، والاستثمار، والحوكمة العالمية، بإمكان الصين والولايات المتحدة أن تفيدا معاً الاقتصاد العالمي . والترابط الاقتصادي يكمن طبعاً في خلق مصالح مشتركة وتقليل بواعث التنازع أو عدم الاستقرار .

إن صعود الصين سينهي، في نهاية المطاف، النظام العالمي الحالي الذي يسيطر عليه الغرب، ولكنه لن ينهي العالم الغربي، كما يتخوف أولئك الذين في الغرب يدقون نواقيس الخطر . ففي عالم مترابط إلى حد بعيد، يكمن مستقبل المجتمع البشري في تعاون حقيقي من قبل جميع الأطراف .

بين البحر والفضاء

في موقع محطة “بي بي سي”، عرض الكسندر نيل، مدير برنامج الأمن الآسيوي لدى المعهد الملكي للخدمات المتحدة (وهو مركز بريطاني لأبحاث الدفاع والأمن أسسه عام 1831 دوق ويلينغتون، الجنرال الذي قاد جيوش الحلفاء ضد نابليون في معركة ووترلو) جهود الصين لتطوير قوتها العسكرية وكتب يقول:

تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البنتاغون حديثاً (5 يناير/كانون الثاني) ليعلن عن تخفيض في عديد الجيش الأمريكي وتحويل التركيز العسكري للولايات المتحدة نحو منطقة آسيا - الهادي، ما شكل رسالة واضحة إلى الصين .

وهذا التحول دفع الباحثين إلى تجديد تفحصهم لقدرات جيش التحرير الشعبي بمواجهة السيطرة الأمريكية في المحيط الهادي .

في السنوات الأخيرة، اثبت جيش التحرير الشعبي امتلاكه قدرات مؤثرة جديدة في البحر والفضاء، بهدف عرض نجاحات جهوده لتحديث قواته .

والرسالة الجلية هي توجيه تحذير قوي في حال أعلنت تايوان استقلالها رسمياً .

ولكن المخططين العسكريين في البنتاغون يشعرون الآن بالقلق من أن تكون مطالب الصين الإقليمية البحرية وسعيها لضمان أمن الشرايين الدولية التي تغذي نموها الاقتصادي قد غطت على استعداداتها للطوارئ في ما يتعلق بتايوان .

وفي الواقع، تقوم الصين بتطوير مجموعة قدرات في مجال الفضاء والمعلوماتية، بهدف الالتفاف على التفوق الكاسح للجيش الأمريكي في منطقة الهادي .

وقد أدركت الصين منذ نحو عقدين أن جيش التحرير الشعبي لن يستطيع على المدى المتوسط أن يضارع القوات التقليدية الأمريكية . ولهذا بدأت تركز على ما عرف باسم “الحرب غير المقيدة”، أي الجمع بين مناهج متعددة من أجل هزيمة خصم متفوق .

وفي الوقت ذاته، اطلق القادة الصينيون برامج مدنية طموحة في مجال التكنولوجيا المتطورة من أجل زيادة القدرة التنافسية الصينية ورفع قدرات الإنتاج المحلية .

ومن جهته، أخذ جيش التحرير الشعبي ينفذ مشروعات عسكرية تستفيد من مكتسبات المشروعات المدنية . وفي بعض الأحيان، كان يتعذر التمييز بين الفرعين المدني والعسكري، بسبب استخدامهما تكنولوجيات ذات استخدام مزدوج .

والمثال الأبرز على ذلك هو برنامج الفضاء الصيني . فالنجاح الذي حققته مؤخراً عملية الالتحام بين المركبة الفضائية “شينزهو” والمحطة الفضائية “ثيان غونغ” هو نجاح لجيش التحرير الشعبي بقدر ما هو نجاح لوكالة الفضاء الصينية المدنية .

وإذا قدر يوماً أن تتدخل الولايات المتحدة في اشتباك عبر مضيق تايوان أو أن تتحدى المطالب البحرية الإقليمية للصين، فإن بكين ستطبق استراتيجية “حرمان بحري” وقائية جنباً إلى جنب مع عمليات تقليدية، لمنع مجموعات حاملات الطائرات الأمريكية من القيام بعمليات داخل أو بالقرب من المياه الإقليمية التي تطالب بالسيادة عليها .

والصواريخ البالستية التي تطلقها غواصات وصواريخ كروز التي تملكها الصين هي الآن قوة فتاكة، وأجرت الصين أيضاً عمليات تحديث مهمة لأنظمة أسلحتها النووية البعيدة المدى، في حين أن قوة صواريخها الاستراتيجية هي مفخرة جيش التحرير الشعبي .

وأحد دواعي القلق الأكثر إلحاحاً بالنسبة للبحرية الأمريكية هو التهديد الذي يشكله “قاتل حاملات الطائرات” وهو صاروخ مضاد للسفن مجهز بقدرات تهديف توجه من الفضاء، وقبل وقت قريب أطلقت الصين إلى الفضاء نظامها الخاص لتحديد المواقع المسمى “بايدو”، لتتحدى بذلك احتكار نظام تحديد المواقع (GPS) الأمريكي .

ومن بين أبرز الإنجازات الحساسة لجيش التحرير الشعبي البرنامج السري لنشر واختبار نظامي الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية (ASAT) والمضادة للصواريخ العابرة (ABM) .

وقبل سنتين، اعترضت الصين بنجاح صاروخاً بالستياً أطلقته عبر الفضاء، وتزامنت تلك التجربة مع اعلان البنتاغون عن بيع صواريخ “باتريوت” مضادة  للصواريخ لتايوان .

ويعتقد بعض الخبراء أنه في حال شنت الصين هجوماً باستخدام نظام الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية ضد مجموعة منتقاة بعناية من أقمار صناعية أمريكية، فإن ذلك يمكن أن يكون له تأثير كارثي على الجيش الأمريكي .

وهذه المقدرة الاستراتيجية إلى جانب قدرات الصين لتطوير مظلتها الخاصة للدفاع الصاروخي، تشير إلى أن ميدان الفضاء سيكون مسرحاً جديداً للتنافس بين الولايات المتحدة والصين .

وقدرات الصين المضادة للأقمار الصناعية (ASAT) ليست مخصصة حصرياً لتدمير المركبات الفضائية، كما حدث في تجربة أجريت عام 2007 ودمر خلالها صاروخ قمراً صناعياً صينياً لمراقبة أحوال الطقس، ويعتقد الآن أن تجربة 2007 الناجحة كانت في الواقع التجربة الثالثة ضمن سلسلة اختبارات . وقبل ذلك، أثبتت تجارب أخرى أن الصين تمتلك قدرة للمناورة على مقربة من أقمار صناعية مستهدفة، وهذا يشير إلى أن الصين اختبرت تقنيات يمكن استخدامها ل”تلغيم الفضاء”، حيث يمكن وضع ألغام أو أقمار صناعية مصغرة مجهزة بتكنولوجيات تشويش على مدارات مركبات فضائية لخصم معين .

تطوير أسلحة تقليدية

إضافة إلى استراتيجيتي  “الحرمان البحري” وحرب الفضاء، تعمل الصين أيضاً لتوسيع قدراتها التقليدية .

وفي السنوات الأخيرة، وسع سلاح الجو الصيني نطاق مجال عمله، بحيث أصبح قادراً على القيام بعمليات بعيداً عن الشاطئ، معززاً بذلك قدرته الهجومية، وهو يخطط لتحديث أسطوله الجوي الذي بات عتيقاً ونشر ما يزيد على 3000 طائرة جديدة .

ولزمن طويل، كانت الصين تعتمد أساساً على نسخ تكنولوجيا الطائرات القتالية الروسية، ولكنها أحدثت مفاجأة العام الماضي عندما كشفت  بالتزامن مع زيارة لوزير الدفاع  الأمريكي  عن النموذج الأولي للمقاتلة الخفية “شنغدو ج - 20” .

وشهدت السنوات الأخيرة تطورات مهمة جداً في نشر غواصات صينية، وتملك الصين 10 غواصات صامتة روسية الصنع من فئة “كيلو”، يعتقد أنها مزودة بصواريخ كروز مضادة للسفن يبلغ مداها 200 كلم .

ومنذ العام 2006 عندما طفت غواصة صينية لم تُرصَد ضمن مرمى طوربيدات حاملة الطائرات الأمريكية “كيتي هوك”، كانت قوة الغواصات الصينية تجوب بانتظام على مقربة من بحريات الولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الهادي .

ويعتقد أن الصين تخطط لبناء ثلاث مجموعات حاملات طائرات قتالية، تضم كل منها 40 طائرة مقاتلة، وما يصل إلى ثماني سفن حربية، وثلاث غواصات هجومية تُسير بالدفع النووي، وعدداً من سفن الاسناد . وحاملة الطائرات “فارياغ” التي تملكها البحرية الصينية، والتي أعيد تحديثها، تخضع حالياً لاختبارات في البحار، وهي ستستخدم كمنصة تدريب .

وامتلاك الصين حاملات طائرات ستكون له بالتأكيد انعكاسات على ميزان القوى البحرية في شرق آسيا .

“هبة من السماء”

خلال العقد الأخير، كانت السرعة الكبيرة لتحديث الجيش الصيني تثير اهتماماً كبيراً عبر العالم، إلا أن أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 وما تلاها من حملات عسكرية في أفغانستان والشرق الأوسط أتاحت فرصة لتسريع تطوير قواتها .

وفي بعض الحالات، من الممكن أن هبات من السماء - بالمعنى الحرفي للكلمة - قد نزلت على جيش التحرير الشعبي، فهناك تكهنات بأن الصين حصلت على مكونات سليمة لصاروخ كروز الأمريكي “توما هوك”، وذلك خلال المراحل المبكرة من حرب أفغانستان قبل عقد مضى، وتقول تقارير إنه عندما أخفقت قوات أمريكية خاصة في تدمير مروحية خفية تابعة لها تعطلت خلال “عملية جيرونيمو” تمكن الجيش الباكستاني من وضع يده عليها، ثم سمح لخبراء جيش التحرير الشعبي بتفحصها .

مهما يكن، لابد أن جيش التحرير الشعبي يهنئ نفسه على امتلاكه تشكيلة مؤثرة من الأسلحة رجحت الميزان لصالحه عبر مضيق تايوان .

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار