٠٨ ربيع الأول ١٤٣٣

الصين وثورة الربط

بقلم : ستيفن س. روتش (عضو هيئة التدريس في جامعة ييل) ..بعد أن ظلّت الصين لمدّة طويلة الأمة الأكثر تفتّتاً على وجه الأرض، تجتمع الآن أطرافها على نحو لم يسبق له مثيل بفضل نوع جديد من الربط. فالآن يشهد مجتمع الإنترنت في الصين توسّعاً شديد السرعة، وتُصاحب هذا التوسّع آثار عميقة على الاقتصاد الصيني، ناهيك عن الأعراف الاجتماعية السائدة والنظام السياسي في البلاد. ويبدو أن هذا الجني من غير الممكن أن يُعاد إلى القمقم أبدا. فبمجرّد تمام الربط، لا سبيل للعودة إلى الوراء.
الواقع أن وتيرة التحوّل مبهرة. فوفقاً لإحصائيات الإنترنت العالمية، تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت في الصين إلى أكثر من ثلاثة أمثاله منذ عام 2006، فبلغ 485 مليوناً في منتصف عام 2011 - أكثر من ثلاثة أمثال العدد في عام 2006. فضلاً عن ذلك فإن اندفاع الصين نحو الترابط لا يزال بعيداً عن نهايته. فبداية من منتصف عام 2011، كان 36% فقط من 1,3 مليار نسمة قادرين على الاتصال بالإنترنت- وهذا أقل كثيراً من النسبة في كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، التي اقتربت من 80%.
ولكن مع انخفاض تكاليف الربط بشكل حادٍّ - من المتوقّع أن يفوق عدد مستخدمي الهواتف المحمولة نظيره من مستخدمي الكمبيوتر الشخصي بحلول عام 2013 -ومع الارتفاع الحادّ لمعدّلات التحضّر ونصيب الفرد في الدخل، فمن غير المستبعد أن نتوقّع تجاوز معدّلات الربط بالإنترنت عتبة الـ50% بحلول عام 2015. وهذا يُشكّل المعادل الوظيفي لإضافة نحو ثلاثة أرباع كل مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة.
ولا يستخدم الصينيون الإنترنت بشكل عارض وغير منتظم. فبما يتفق مع ما وصفه مُنَظِّر الشبكات الاجتماعية كلاي شيركي بولع المجتمع بفتح "الفائض المعرفي" الكامن في الأنشطة القائمة على شبكة الإنترنت، تُشير بيانات المسح الصادرة عن مركز معلومات شبكة الإنترنت في الصين إلى أن مستخدمي الإنترنت في الصين يدخلون على الشبكة بمتوسط 2,6 ساعات يوميّاً ــ ساعة كاملة أطول من الوقت الذي يُنفقه المواطن الصيني العادي الذي يتراوح عمره بين 15 إلى 49 عاماً في مشاهدة التلفزيون.
ووفقاً للتقديرات فإن المدوّنات البالغة الصِغَر في الصين، أو الشبكات الاجتماعية حيث الاستخدام الأعلى كثافة، أصبح عدد مستخدميها 270 مليوناً بداية من أواخر عام 2011. والاتجاه صاعد بشكل واضح. فعلى مستوى العالم، يُشارك نحو 70% من كل مستخدمي الإنترنت حالياً في شكل ما من أشكال التدوين البالغ الصِغَر، والذي يُشكّل الشريحة الأسرع نموّاً على الإطلاق في عالم الإنترنت. وفي الصين تبلغ نسبة المشاركة في هذه الشريحة 55% فقط.
وعندما يتعلق الأمر بتحليل الصين، فمن السهل دوماً أن ننجرف مع الأرقام، خاصة تلك الناجمة عن حجم البلاد الهائل. ولكن الرسالة الحقيقية هنا تتعلق بالعواقب المترتّبة على هذا النوع من الربط، وليس حجمه فحسب.
ومن بين الآثار الرئيسية هنا قدرة الإنترنت على لعب دور بالغ الأهمية في ظهور المجتمع الاستهلاكي في الصين، الذي يُشكّل ضرورة بنيوية حاسمة بالنسبة للاقتصاد الصيني الذي عانى من عدم التوازن لمدّة طويلة. ومع الربط يأتي الوعي الوطني بعادات الإنفاق، والأذواق، والعلامات التجارية ، وهي سمات أساسية في أي ثقافة استهلاكية.
إن حصة الاستهلاك في الاقتصاد الصيني، التي تقل عن 35% من الناتج المحلي الإجمالي، تُعَدّ الأدنى بين كل الدول الكبرى. والواقع أن الارتفاع الهائل الذي سجّلته معدّلات استخدام الإنترنت في الصين من الممكن أن تعمل على تيسير المبادرات الداعمة للاستهلاك في الخطة الخمسية الثانية عشرة التي تم إقرارها مؤخّراً.
وشبكة الإنترنت قادرة أيضاً على تمكين الاتصالات الأكثر تحرّراً وانفتاحاً، وزيادة القدرة على الترقي، ونشر المعلومات بشكل أسرع وأكثر شفافية، فضلاً عن تعزيز النزعة الفردية. وكانت الزعامات الصينية صريحة بشكل متزايد في إثارة المخاوف حول التفاوت المتنامي والذي كان ليعمل لولا ذلك على عرقلة جهود تنمية ما أسموه "المجتمع الأكثر تناغماً". والواقع أن الربط على شبكة الإنترنت قد يُشكّل وسيلة قوية لمساعدة الصين في العمل الجماعي من أجل تحقيق هذه الغاية.
وأخيراً هناك إمكانية استخدام الإنترنت كأداة للتغيير السياسي. وهو اعتبار بالغ الأهمية بالنسبة لأي بلد، خاصة في أعقاب الربيع العربي، الذي استفاد في العديد من البلدان (خاصة تونس ومصر) بشبكة الإنترنت في تعبئة الحشود.
وفي حين كان إصلاح الدولة ذات الحزب الواحد في الصين يُعَدّ دوماً من بين الأهداف المهمّة في الصين الحديثة ــ بداية من التحديث الخامس الذي أقره وي جينشينج في أواخر سبعينيات القرن العشرين إلى الخطب الحديثة التي ألقاها رئيس مجلس الدولة ون جيا باو - فإن التقدّم الملموس كان محدوداً. ولكن هل من المحتمل أن يتغيّر هذا مع احتضان الصين للإنترنت؟
إن الصين لا تُشكّل استثناءً في الاحتياج إلى الزعامة والمساءلة وسرعة الاستجابة كشروط أساسية للاستقرار السياسي. وعلى نحو متكرّر كان مجتمع الإنترنت السريع التوسّع سبباً في رفع مستوى الوعي الوطني بقضايا محلية عصيبة. ولقد تجلّى هذا بشكل خاص في أعقاب زلزال سيشوان في عام 2008، وأعمال العنف العرقي في شينجيانج في عام 2009، وحادث تحطّم القطار الفائق السرعة في وينتشو في عام 2011.
وكما أثبت الربيع العربي فإن شبكة الإنترنت قادرة على تحويل الأحداث المحلية بسرعة إلى نقاط اشتعال وطنية - ليتحوّل الربط الجديد إلى مصدر محتمل لعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات. ولكن كانت هذه هي الحال فقط في البلدان التي تحكمها أنظمة استبدادية تفتقر إلى الشعبية تماماً.
وفي المقابل، تتمتع الزعامة الصينية بقدر كبير من التعاطف الشعبي.

 وتُشكّل استجابتها السريعة والمباشرة للأحداث الأخيرة في سيشوان وشينجيانج ووينتشو أمثلة عميقة الدلالة. فقد سارع كبار زعماء الحزب - خاصة رئيس مجلس الدولة ون جيا باو - إلى قيادة الاستجابة الوطنية المتعاطفة التي كانت فعّالة إلى حدٍّ كبير في تهدئة المخاوف الكبيرة التي عبّرت عنها شبكة الإنترنت.
لا يعني أي من هذا إنكار الجانب المظلم من انفجار الإنترنت في الصين ــ أو على وجه التحديد الانتشار الواسع النطاق للرقابة والقيود المفروضة على حرية التعبير الفردية. ويُعَدّ فريق "سكاي نت" في الصين (والذي يُشاع أن عدد أعضائه يتجاوز ثلاثين ألف موظف) أكبر قوّة شرطة سيبرانية على مستوى العالم.
ورغم أن الصين ليست وحدها في فرض الرقابة على الإنترنت، فإن الانضباط الذاتي من قِبَل العديد من أكبر البوابات الصينية على شبكة الإنترنت يعمل على تضخيم تأثير الرقابة والإشراف من جانب السلطات الرسمية. وكانت القيود التي فُرضت مؤخّراً على أصحاب المدوّنات المتناهية الصِغَر ــ خاصة حرمان هؤلاء الذين يستخدمون أسماء مستعارة لا يمكن تتبعها من الوصول إلى الشبكة ــ سبباً في إذكاء المخاوف حول حرية الإنترنت في الصين. ولكن مثل هذه القيود تسير في اتجاهين بطبيعة الحال- فمن المحتمل أن تعمل على الحدّ من التعبير الشخصي، ولكنها تُسهم أيضاً في تقييد الهجمات الطائشة المقَنَّعة على الشبكة.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار