٢٠ رمضان ١٤٣١

الصين الشعبية … واشتراكية دينك اوكسياو بينك


تمكنت الصين في الربع الأخير من عام 2009 أن تصل بحجم ناتجها القومي الى 1,337 تريليون دولارا امريكيا ، متجاوزة لأول مرة في تاريخها الناتج القومي الياباني البالغ 1,228 تريليون دولار ، بحسب الاحصاءات الرسمية اليايانية التي نشرتها كل وسائل الأعلام في العالم. صعود الصين كثاني اقتصاد في العالم وتراجع اليابان إلى المرتبة الثالثة ، لا يعني الكثير طبقا لمعايير اقتصادية واجتماعية مهمة كثيرة أخرى. فحجم الناتج القومي لم يكن إلا واحدا من مجالات التنافس الاقتصادي بين الاقتصادين الأسيويين العظيمين ، فهناك الكثير من شروط التفوق التي ينبغي على الصين الايفاء بها قبل أن تصل إلى مستويات التطورالاقتصادي والاجتماعي والتقدم التقني الذي تتمتع به اليابان. فاليابان ما زالت من بين الأكثر غنى وتقدما في العالم ، فنصيب الفرد الواحد من الدخل القومي بلغ في اليابان في عام 2009 عشرة أضعاف مثيله الصيني ، وبينما يبلغ دخل الفرد في الصين 3.600 آلاف دولارا ، يبلغ في اليابان 37.8 ألف دولارا في حين يبلغ في الولايات المتحدة 42.240 الف دولارا في نفس العام . كما يتمتع اليابانيون بأفضل مستويات المعيشة التي تتميز بها شعوب البلدان المتقدمة اقتصاديا ، ويعتبر العمر المتوقع للسكان فيها من الأطول في العالم ، إضافة ألى تمتعها بأقل نسبة في وفيات الأطفال حديثي الولادة مقارنة بدول مقاربة لها في مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.



يعزى التفوق الصيني وفق ما درج الاعلام الغربي على ترديده إلى الاصلاحات الاقتصادية التي باشرتها قبل ثلاثين عاما ، بتأثيرالجناح الاصلاحي في الحزب الشيوعي الصيني الذي قاده دينك أوكسياو بينك ، المنشق عن قيادة وفكر زعيم الحزب حينها ماوتسي تونغ. ما سمي بالاصلاحات هو نظريا وعمليا تحولا من الاقتصاد الاشتراكي إلى الاقتصاد الرأسمالي مع احتفاظ الحزب الشيوعي الصيني بالسلطة الكاملة ،وضمان أن تبقى مؤسسات الدولة ضمن النظام السياسي القائم على ديكتاتورية البيروقراطية الحزبية. أخذ التحول نحو الرأسمالية طريقه للتنفيذ عندما بوشر باستصدار البيانات والتشريعات التي اعتبرت التحول نحو اقتصاد السوق أحد متطلبات بناء الاشتراكية في الصين ، فسمح للمبادرات الخاصة بالدخول ميدان التجارة والاستثمار في مختلف النشاطات الانتاجية المادية والخدمية. وأقرت قانونيا الملكية الخاصة لوسائل الانتاج بدون أية حدود ، وما يتبعها من حرية التنافس بين المنتجين في السوق الصيني والدولي ، يقابل ذلك تراجعا عن قاعدة اساسية في النظام الاشتراكي وهي الملكية العامة لوسائل الانتاج ، فتم التخلص من أكثرها واهمها بالبيع إلى الشركات الخاصة المحلية والأجنبية، وتم أيضا تخلي الدولة عن توجيه النشاط الاقتصادي مركزيا عبر التخطيط الاقتصادي. يرى القادة الصينيون أن ما يطبقونه باسم اشتراكية اقتصاد السوق هو ما ينسجم ويستجيب لواقع التغيرات الجارية في العالم ، وهو حسب اعتقادهم مايجب فعله على الدوام وليس العكس ، و هو بالضبط ما عبر عنه منظر هذه الاشتراكية " دينك أوكسياو بينك " بدعوته التي افصح عنها عام 1984 (1): " ابحث عن الحقيقة في الواقع " ، شارحا وجهة نظره بالقول ، أن وجود أكثر من 200 دولة في العالم تختلف في تقاليدها وثقافتها وتاريخها ونظامها الاجتماعي ومستوى تطورها الاقتصادي ، لايمكن أن تسير على نهج واحد لتحقيق النمو الاقتصادي. ويستطرد قائلا : نحن بعد أن اقمنا الصين الشعبية بفترة قصيرة ، أدركنا أننا لم نعطي أهمية كافية لتطوير قوى الانتاج ، ومن المهم للاشتراكية تطوير قوى الانتاج لتتفوق على الراسمالية ، فالقوى الانتاجية يجب أن تنمو في الاشتراكية أسرع مما في الرأسمالية. ومع تطور القوى الانتاجية يجب أن تتطور وتتحسن القدرات الثقافية والمادية ، لكن هذا لم يحصل. : إن الاشتراكية تعني ازالة الفقر ، التسول ليس اشتراكية ، واقل من الشيوعية. ويقول- وانك يو- أحد القيادين في الحزب الشيوعي الصيني :

ان تخلف الانتاج لمدة طويلة ، رافقه تحسن ضئيل في نوعية حياة الناس ، بينما الفارق بين تطور الصين والدول المتقدمة يزداد اتساعا. كل هذا جعل الحزب الشيوعي الصيني يتساءل ، ويعيد التساؤل مرات ومرات ، أين هو التفوق الاشتراكي؟ وهل الاشتراكية فقرا او غنى؟ ماهي الثورة وما هو هدفها؟ نظرية بناء الاشتراكية وفق المنظورالصيني الجديد تأخذ بحسابها الهدف الأساسي وهو تطوير قوى الانتاج.

ويقول أيضا ، " أنه أثناء عملية بناء وتطور الاشتراكية لا يمكن تجاهل مبادئ حرية السوق السلعي. ويعتقدون أن هذا الرأي يكسر الحلقة الفكرية القائلة بأن التخطيط الاقتصادي = الاشتراكية ، واقتصاد السوق = الرأسمالية ، في حين لا يرى الحزب الشيوعي الصيني تناقضا بين الاشتراكية واقتصاد السوق. اقتصاد السوق تبعا لذلك ضروري لتوزيع الموارد في الانتاج الاجتماعي. ولتحسين الاقتصاد الاشتراكي تطلب اعادة هيكلة الاقتصاد الصيني لتحديث الاقتصاد الاشتراكي. وأن الموائمة بين الاقتصاد الاشتراكي واقتصاد السوق هو انجاز جديد في النظرية الماركسية والاشتراكية " (2).

بفضل تلك الرؤى أطلقت البيروقراطية الحزبية شهية البرجوازية الصينية لاقتناص الفرص وجني الأرباح ، دون أن تتخلى كليا عن حق الادارة الحكومية الابقاء على عدد من النشاطات الانتاجية والاستثمارية داخل وخارج الصين. وبفضل الحفاظ على مستويات واطئة للأجورعبر الرقابة الحزبية الصارمة أمكن كبح التحركات العمالية المطالبة بزيادة الأجور لصالح البرجوازية الصاعدة ، مما مكن الصناعيين الصينيين والأجانب من الاستفادة من تكاليف العمل الواطئة للتوسع الدائم في الاستثمارات في الاقتصاد الصيني وضمان الأرباح الباهظة بنتيجة ذلك. لقد در هذا لميزانية الدولة موارد ضخمة أدت بمرور الزمن إلى تعاظم أرصدة الدولة من العملات الأجنبية ، أصبح للصين بفضلها مركز الصدارة كأكبر حائز على الفوائض المالية بين دول العالم. تعاظم المدخرات الحكومية الضخمة جاء أيضا نتيجة تخليها عن أهم المنجزات الاشتراكية ، وهي الخدمات الاجتماعية كالصحية والتعليمية المجانية للشعب ، بعد أن أحلت بديلها نظام التأمين الصحي المماثل لما هو سائد في أكثر الدول الرأسمالية. أدى ذلك إلى حرمان مئات الملايين من ذوي الدخل المحدود من العمال والفلاحين من الرعاية الصحية التي كانت أحد أهم واجبات الدولة الاشتراكية منذ قيامها في عام 1949. وكما تذكر المجلة الصينية China Daily على موقعها على الانترنيت بنفس الاسم " يوجد في الصين من أصحاب المليارات أكثر من أي بلد آخر ما عدا الولايات المتحدة" ، يعني ذلك صعود الرأسمالية على حساب الاشتراكية ، وإلا من أين جاءت تلك المليارات ، لابد أنها جاءت من جهد الآخرين ، فكانت النتيجة انعدام المساواة بين الجميع ، و حق الجميع في الخدمات الاجتماعية ، وضمان حق العمل للجميع ، وهي أهم قيم الاشتراكية وأهدافها. واذا كان القادة الصينيون سعداء بما حققه لهم اقتصاد السوق ، واذا كانوا ما يزالون يعتبرون نظامهم اشتراكيا ، فإلى ما ذا يعزون تخليهم عن مجانية الرعاية الصحية التي أتاحتها لهم الاشتراكية ، في وقت يدعمون بعشرات تريليونات الدولارات الحكومتان الأمريكية واليابانية لتخفيف العجز المالي في ميزانياتها ؟
و للحديث بقية

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار