٠٥ ربيع الأول ١٤٣١

الصعود الصيني... هل يكون سلساً؟


"الصعود السلمي للصين"... عبارة طالما ترددت على ألسنة مسؤولي الحكومة الصينية، والدول الغربية الرئيسية المتلهفة للتبادل التجاري مع الصين، على أمل أن تصبح هذه الدولة العملاقة يوما ما شريكا مسؤولا قادرا على المساهمة بشكل إيجابي في تحقيق استقرار النظام الدولي السياسي والاقتصادي على حد سواء.

غير أن ما حدث خلال الفترة الأخيرة، هو ظهور مؤشرات دالة على أن الصعود الصيني لوضعية الدولة العظمى أو حتى "السوبر عظمى"، لن يكون سلساً وإيجابياً كما كان الجميع يأملون. وهو ما يعود في حقيقة الأمر لعدة أسباب يمكن إجمالها على النحو التالي: أولا، أن الصين راغبة في إعادة تأسيس نفسها كقوة عالمية كبرى بعد أن عانت من الذل والمهانة على أيدي الغرب لمدة تقرب من 200 عام. ثانيا، إن الصين لا تنظر إلى النموذج الغربي في العلاقات الدولية والتطور الاقتصادي على أنه النموذج الوحيد المطروح أمام أي دولة راغبة في التقدم والتحديث، وأن هناك نماذج أخرى تستحق الاحتذاء، بل هي ذاتها لديها نموذجها الخاص في هذا المضمار. وكانت الصين قد أشارت بتشفٍ واضح إلى حقيقة أن الأزمة المالية العالمية التي بدأت بعد انفجار فقاعة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية 2007/2006، تعد بحد ذاتها دليلا لا يقبل الجدل على تهافت ما كان الخبراء الاقتصاديون يطلقون عليه "سحر الرأسمالية غير المقيدة". ثالثا، إن الصين قد نجحت في تجنب كثير من التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية، كما نجحت كذلك في التصدي لكثير من تحدياتها الاقتصادية الخاصة؛ بما في ذلك - وهو ما يدعو للمفارقة في الحقيقة- ازدهارها الإسكاني التضخمي، ولا ترى سببا يدعوها للاعتقاد بأن وول ستريت أو القلب المالي والتجاري لمدينة لندن يحتكران وحدهما الحكمة المالية في هذا العالم.

رابعاً، أن القادة الشيوعيين في بكين يتبنون مقاربة في مجال التجارة الدولية تقوم على مقولة" الصين أولا"، وهو ما دفعهم لرفض كل المحاولات التي بذلتها الدول الكبرى في العالم لدفعها لتعويم عملتها المحلية، مثلما هو الحال بالنسبة لمعظم العملات العالمية المستخدمة في التبادلات الدولية. ففي مواجهة هذه الضغوط أصرت الصين على إبقاء سعر صرف عملتها، وبالتالي أسعار صادراتها، منخفضاً، وذلك بوسائل اصطناعية وغير عادلة تؤدي إلى إلحاق الضرر بالدول المصدرة الرئيسية المنافسة للصين وخصوصا في القارة الآسيوية. وسعي الصين للاستثمار في المشروعات الأجنبية في قارة أميركا اللاتينية، وإفريقيا والشرق الأوسط، يشير إلى أنها قد قررت إتباع نهج في التنمية الاقتصادية يقوم على تحقيق أقصى منفعة ممكنة بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى، وهو نهج بدأ بالفعل يستثير خصومات وعداء الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية

والصيحات المنادية باتباع سياسات حمائية ضد البضائع والسلع الصينية التي تتصاعد في الولايات المتحدة وأوروبا على نحو متواتر، وما تلك التطورات إلا إشارات تحذير تنبه العالم إلى أن وقوع مواجهة اقتصادية خطيرة بين القوى الصناعية الكبرى في العالم قد بات أمراً محتملا، وقد بدأت بعض مقدماته تلوح في الأفق.

وفيما يتعلق بالموضوعات الأخرى؛ مثل التغير المناخي، والاحتباس الحراري، والمحاولات التي تبذلها إيران لإنتاج أسلحة نووية... لم تُبدِ الصين تلك الدرجة من التعاون التي كان الأميركيون والأوروبيون على حد سواء يأملونها.

ليس هذا فحسب بل إن النزاعات والاختلافات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة قد ازدادت تصاعداً، مما أدى إلى توتير العلاقات بينهما في العديد من الملفات. وقد اشتاط المسؤولون الصينيون غضبا، لمضي الولايات المتحدة قدما في إتمام صفقة تصدير أسلحة متطورة لتايوان، رغم علمهم بأن المفاوضات والترتيبات الخاصة بهذه الأزمة كانت تجري منذ سنوات، وأن الأمر ليس جديداً بالنسبة لهم، كما يعرفون كذلك أن الأسلحة التي ستسلمها الولايات المتحدة لتايوان سوف تكون أقل تهديدا لها (أعني للصين) من الأسلحة الأخرى المتطورة التي كانت "تايبيه" ترغب في الحصول عليها من الولايات المتحدة لدرء التهديدات الصينية التي تتكرر ما بين آونة وأخرى.

كما أبدت الصين استياءها الشديد بسبب موافقة أوباما، على استقبال الزعيم الروحي البوذي للتبت "الدالاي لاما" الذي يعيش في المنفي ويطالب بالحكم الذاتي لوطنه، في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن نوبات الغضب الصينية، لن تؤثر على مجمل العلاقات الأميركية الصينية، بسبب الأهمية البالغة لعلاقاتهما الثنائية بالنسبة لهما معاً، إلا أنها تؤشر من ناحية أخرى إلى رغبة الصين في أن يتم النظر إليها والتعامل معها بشكل جدي وعلى قدم المساواة.

والحقيقة المؤكدة في هذا الصدد، هي أن العالم سيجد نفسه مضطرا لتكييف نفسه على التعامل مع الصين القوية والواثقة من نفسها خلال السنوات القادمة. والسؤال هنا، هو ما إذا كان الصعود الصيني سيجلب في أعقابه ضغوطا على الدول الأخرى في القارة الآسيوية؛ مثل الهند واليابان. فهاتان الدولتان، وهما قوتان كبيرتان في القارة، ورغم ارتباطهما بعلاقات اقتصادية جيدة مع الصين، فإنهما تبديان في نفس الوقت قلقا متزايداً من تمدد الصين الاستراتيجي ومحاولتها مد نطاق نفوذها الاستراتيجي إلى مناطق جديدة في آسيا الوسطى وأعالي البحار. ويقول المحللون إن مثل هذه المخاوف التي أعربت عنها الدولتان في مناسبات عدة، قد تدفعهما للعمل على توثيق علاقتيهما مع الولايات المتحدة لتحقيق نوع من التوازن ضد القوة الصينية الصاعدة.

ولا يزال من المبكر الحديث بقدر من التأكيد عن نوع من إعادة التراصف بين القوى الآسيوية وبين الولايات المتحدة، تلعب الأخيرة بموجبه دورا مهما وإن كان أقل هيمنة من دورها الحالي. لكن الشيء المؤكد بالفعل هو أن هذا الموضوع سوف يطرح للنقاش بوتيرة أكثر تكرارا في غضون الشهور والسنوات المقبلة.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار