٢٩ نوفمبر ٢٠٠٩

الصين التنين النووي والاقتصادي القادم

أكد د. كامل أبو جابر وزير الخارجية الأردني الأسبق ان الصين تتصف بالحكمة والعلم وان المسافة بيننا وبينهم لا تعني لهم شيئاً، منوها ان لديهم نحو 11 الف اله، وهم ينتقلون بين هذا الاله وذاك بسهولة ودون تقييد.
وأضاف في محاضرة بالجمعية الاردنية للعلوم والثقافة بعنوان "العلاقات الصينية - العربية" انه بدأ اهتمامه بالصين اوائل سبعينيات القرن المنصرم من خلال إعجابه بوزير خارجيتها آنذاك "شو ان لاي". منوهاً ان الطلبة العرب يعرفون الكثير عن سياسات الدول الغربية لكنهم لا يعلمون شيئاً عن الشرق ما بعد ايران، واصفا ذلك بالامر المحزن. مع ان الشرق لديه اهتمام كبير بالمنطقة والاسلام.
الوزير الاردني أكد ان مساحة الصين 10 ملايين كم 2، وعدد سكانها نحو 1.5 مليار نسمة، وانها منذ ماو تسي تونغ قفزت قفزات هائلة نحو التقدم وحصلت علي عضوية النادي النووي ووصلت الي العالم تتلمس لها فيه مكانا مميزا، متسائلا: كيف يمكن للصيني والياباني تخطي فترة التخلف بيسر فيما العرب وبما يملكون من مخزون حضاري غير قادرين علي انجاز شيء ما؟
ونوه كذلك الي ان امريكا مدينة للصين بثلاثة تريليونات دولار، وان بإمكان الصين ان تتلاعب بالاقتصاد الامريكي كما تشاء لكنها تحجم عن ذلك خشية التداعيات. موضحا ان الصين تمتلك حضارة تمتد لستة وأربعين قرنا، وهي ذات حركة حضارية مستمرة، كما انها متماسكة ومتميزة تعاقبت عليها 33 أسرة حاكمة واصفاً الصينيين بأنهم دمثون وودودون.
وحول أسباب عدم وصول الغرب الي الصين، قال د. أبو جابر ان بعد الصين عن الغرب حال دون وصوله اليها بينما نحن العرب نشهد صراع ديكة مع الغرب لقربه منا. موضحاً ان الصين تقدم نفسها بأنها دولة نامية مع انها غزت العالم، اقتصاديا من الحرير حتي التكنولوجيا، وان ذلك بفضل الرئيس دينغ شاوبينغ الذي ادخل اليها الاقتصاد الحر، فأصبحت بكين تضاهي عواصم الغرب في مجال الازياء علي سبيل المثال.
وبين ان لديهم عبادة الاجداد حيث يقومون كل رأس سنة بتنظيف قبور الاجداد، وان غالبيتهم من البوذيين والطاويين كما ان لديهم 11 حزباً سياسياً وان ماركسيتهم تختلف عن الماركسية السوفييتية، منوها الي ان المرأة الصينية لبست الحرير قبل اربعة آلاف عام فيما كان الغرب يرتع في التخلف والجوع ويعيش عاريا في الغابات.
الاسلام والصين
وفي هذا السياق اوضح د.ابو جابر ان سعد بن ابي وقاص كان اول سفير مسلم الي الصين في عهد الامبراطور بوار سونغ الذي كان علي علم بالاسلام وان النبي محمد ص هزم فارس وحاصر بيزنطة مشيرا الي ان الخليفة عثمان بن عفان ارسله الي الصين محملا بالهدايا الي الامبراطور، وان الامبراطور استقبله بكل احترام. وان سعد مكث في الصين سنتين ودعا الامبراطور الي الاسلام. كما اوضح ان المؤرخ الصيني لو تشي الف كتابا عن الرسول الكريم ضم 12 مجلدا .
وفيما يتعلق بدعوة الامبراطور الصيني الي الاسلام قال ابو جابر ان الامبراطور سأل الصحابي سعد : هل تشربون النبيذ؟ فأجابه بالنفي، كما سأله عن اللحم المحرم علي المسلمين، فأجابه لحم الخنزير الذي يتناوله الصينيون صباحا ومساء، كما سأله: كيف تتعاملون مع النساء؟ فأجابه سعد مثني وثلاث ورباع ان عدلت، لكن الامبراطور قال له:
اربع نساء فقط؟ واعتذر الامبراطور عن تلبية دعوة سعد، لكنه أشاد بالإسلام وانه يشبه تعاليم كونفوشيوس ووصفه بالدين النقي.
وبين ان الصحابي سعد اشتري قطعة ارض في مدينة كانتوه بمساحة 100 دونما وبني عليها مسجدا خصص فيه مصلي للنساء، يؤمه حالياً صينيون وعرب ومسلمون في الصين.
وتابع القول ان أحد اباطرة الصين تعرض لانقلاب وطرد من القصر لكنه استنجد بالخليفة العباسي المنصور الذي ارسل له اربعة آلاف فارس تمكنوا من إعادته الي الحكم فمنحهم مقاطعة شينغ يانغ غربا، وسمح لهم بالزواج من صينيات. مبينا ان هناك 30 ألف مسجد في الصين، وان أكثر العرب في الصين ينحدورن من حضرموت واليمن، واصفا أحوال المسلمين هناك بالجيدة.
ووصف أبو جابر الصينيين بأنهم عقلانيون يفكرون بكل شيء، ولا محظورات لديهم مثل الدين والجنس او السياسة، وانهم حكماء منفتحون، منوها الي ان ذلك اهم ميزات الدولة الصينية.وفي سياق متصل أوضح الوزير الاسبق ان الضغط الغربي علي العرب مستمر منذ فجر التاريخ، ما جعل الحاكم العربي منشغلا بالدفاع عن التخوم والحدود فيما شكلت المسافة عازلا بين الصين والغرب، أكد ان بريطانيا في القرن السابع عشر باعت الافيون، لغرب الصين فحدثت حرب الافيون، وفرض البريطانيون علي الدولة الصينية دفع تعويضات لقاء الحرب التي افتعلوها هم انفسهم، مشيرا الي ان الدولة الصينية حاولت بعد 20 عاماً منع الافيون، فوقعت حرب الافيون الثانية، لكن الاستعمار الغربي وصل الي الصين بسبب حرب الافيون بعد 40 عاما وعاث فيها فسادا حتي العام 1911 حيث جاء الاحتلال الياباني.
وفي هذا السياق قال د.ابو جابر ان الصيني معتد بحضارته وشخصيته رغم الانفتاح، وان الصينيين يسمون بلادهم مملكة السماء والدولة المحورية وبوابة السماء، ويعتقدون ان بكين هي بوابة المدينة المحرمة التي كانت مقتصرة علي النخبة، وان اي امبراطور كان يتوجب عليه الذهاب اليها ليعلن منها حكم السلالة الجديدة تحت بوابة السماء حتي ان ماو تسي تونغ نفسه فعل ذلك. مشيرا الي ان الصين قسموا العالم الي قسمين صينيين وبرابرة كما فعل الاغريق القدماء.
وتحدث د. كامل أبو جابر عن قيام الامبراطور الانجليزي جورج الثالث عام 1793 بارسال رسالة الي امبراطور الصين آنذاك مع هدايا وسفارة طالبا منه السماح للتجار الانجليز بالدخول الي الصين للمتاجرة، لكن الامبراطور الصيني رد عليه بالقول: "انت ايها الملك الذي يعيش عبر البحار، وأرسلت لنا بكل احترام سفيرك الذي قطع البحور ليقدم التقدير الي البلاط السماوي ونحن لن نسمح له بذلك لأن التفرقة بين الصيني والبربري واضحة لدينا، ونحن لسنا بحاجة لأي شيء منكم لأن لدينا كل شيء ولا نحترم صناعة الآخر وصناعتكم لا تهمنا، وقد امرنا سفيرك بالعودة بسلام، ومن واجبك أيها الملك ان تطيع رغباتنا، وان طاعتكم الأبدية لعرش التنين الصيني ستعود عليكم بالخير وقد ارسلت لكم هدايا، ولاحظ ايها الملك كيف نعاملكم برحمة."
عوامل التوحيد
وفي معرض اجابته عن اسئلة الحضور الذي ضم اكاديميين وسياسيين ودبلوماسيين سابقين قال وزير الخارجية الاسبق ان الثقافة الصينية هي العامل الاساسي في توحيد الصين، اضافة الي بعدها عن الغرب منوها الي ان الغرب لم ينتبه للصين الا بعد النهضة الغربية الحديثة منذ العام 1600 في الفترة التي ازداد فيها انحطاط العرب واصفا الصينيين والعرب بانهم ابرع تجار، وان الاسلام انتشر في الصين عن طريق التجار.
كما اوضح ان فن ادارة الحكم عامل مهم اخر منوها الي الصينيين وفي الالف الأول قبل الميلاد اسسوا جامعة يدرس فيها الطالب اللغات والاتيكيت وفنون الحرب والطبخ والخطابة والقاء المحاضرات والرياضيات والجغرافيا والتاريخ ولمدة 17 عاما لان فكرة الامبراطور هي ان الطالب يمثله شخصيا.
تطور العلاقات العربية - الصينية
ولدي سؤاله عن عدم تطور العلاقات العربية - الصينية قال د.ابو جابر ان العلاقات بشكل عام طريق باتجاهين، مشيرا الي انه حاضر في جامعة بكين حيث توجد كلية للدراسات تضم اساتذة صينيين لهم اسماء عربية وان عميدها د.نصير اخذه في جولة بالجامعة ورأي هناك بناية علي الطراز الغربي تشبه البناء في نيويورك واخبره انها كلية الدراسات الاجنبية، وقد قامت اسرائيل ببنائها، مؤكدا انه ذاب خجلا. كما اخبره انه زار إسرائيل خمس مرات شأنه شأن بقية المدرسين بدعوة من سفارة اسرائيل في بكين.
بيد انه اوضح ان عميد الكلية اخبره انهم يبعثون بدعوات للسفراء العرب لحضور المناسبات واللقاءات والندوات، لكن احدا منهم لم يلب الدعوة. منوها انه استفسر عن ذلك من السفير الاردني في بكين فأكد له ذلك. كما ان سلطان عمان قدم لها مكتبة للدراسات الاسلامية لكن التواصل بينهم انقطع.
وبين ان الصين أكبر دولة مناصرة للقضية الفلسطينية، لكن إسرائيل أقامت معها علاقات قوية ولديها في الصين علي سبيل المثال 2000 خبير زراعي، وانهم يدعون عربا لزيارة الصين والعرب لا يفعلون ذلك مشددا علي ان الصين اصبحت بمصاف أمريكا والاتحاد الأوروبي لكن الدول العربية لم تتنبه لها.
وقال ان الغرب لن يترك الصين، كما ان الصينيين لن يتركوا الغرب، وهم واعون لأي تحرك أمريكي ضدهم وقادرون علي ردعه، ولديهم قوة تدعم حقهم كما انهم علي استعداد للتغلب علي أي مشكلة تواجههم.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار