٢٧ ربيع الأول ١٤٣٠

لماذا العلاقة "الصينية - الأمريكية "ستظل وهماً ؟

جوناثان هولسلاج
"إننا سننهض أو سنسقط معاً بالفعل"، هذا ما قالته هيلاري كلينتون عندما ذهبت لتتوسل لجارة أمريكا في المحيط الهادي، وفي ضوء حاجتها إلى الأموال النقدية، عانقت واشنطن الصين كشريك ضروري، حتى أنه بدا أنها فرضت على نفسها الرقابة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والقضايا الشائكة الأخرى، وفي ضوء الخراب الذي تعانيه اقتصادياً وانتشارها المغالى فيه عسكرياً، فإن أمريكا تحتاج إلى فرصة استراتيجية، لكن إبراز الاعتماد المتبادل والتقليل من أهمية الخلافات لن ينقذ العلاقة الصينية الأمريكية.
ومنذ إدارة نيكسون، دأبت واشنطن على انتهاج مستمر لنهج ذي مسارين في التعامل مع بروز الصين، فقد حاولت، من ناحية، إقامة علاقات شخصية مع الصين وجعلها مساهماً مسؤولاً في الشؤون الدولية، ولذلك سعت إلى تعريض العلاقات العامة الصينية للمعايير الغربية من خلال شبكة من الحوارات والمبادلات: من البرامج الطلابية، والمنابر التجارية إلى المحادثات الاستراتيجية بين الحين والآخر على أعلى مستوى سياسي.
ومن ناحية أخرى، استخدمت استراتيجية فرق تسد، واصلت من خلالها مساندة قوى إقليمية أخرى مثل اليابان والهند وأستراليا، ومعظم مراقبي الصين في فريق أوباما يحبذون استمرار هذه السياسة، لكن المبادلة اللينة مؤقتاً لنهوض الصين بسبب الأزمة الحالية ستعقد العلاقات في المستقبل.
وبداية فإنه لا يوجد أي دعم محلي للتساهل مع الصين، فإن 52 في المائة من الأمريكيين يعدون الصين تهديداً محتملاً، بينما يرى 22 في المائة فقط أن نفوذ الصين شيء إيجابي، وعلى القدر نفسه من الأهمية، يتمثل في حقيقة أن توازن المصالح الداخلية أخذ يتحول لغير مصلحة الصين، ورغم حقيقة أن "محبّي الباندا" مثل "الفيدرالي" ووزارة الخارجية ووزارة التجارة أصبحوا أكثر تصميماً على تملق الصين، فإن كثيراً من مجموعات الشركات الصناعية والاتحادات العمالية يثيرون الاضطراب الاقتصادي لشن حملة أقصى على الصين.
ويواصل الكونجرس طرح مشاريع القوانين والقرارات المناهضة للصين، للنقاش، وقد بلغ عددها ثمانية منذ بداية هذه السنة، وخشية من تخفيض النفقات الدفاعية، فإن الجيش الأمريكي يشير إلى "التوسع الزاحف لنطاق الصين العسكري"، للدفاع عن شراء طائرات مقاتلة متقدمة، والمقاتلات البرية والغواصات الجديدة، والحافز القوي للتعاون الاقتصادي ليس مقنعاً بشكل كاف، وإذا فشلت خطة أوباما لإعادة الإطلاق أو تحققت ببطء شديد فإن هناك مجازفة خطيرة بحدوث ردة فعل مناهضة للصين.
إن التزلف لبكين يثير التوقعات أن الولايات المتحدة سيعطيها الاحترام الذي يتناسب مع احترامها للذات والمدى المطلوب للدفاع عن مصالحها، وهذا سيجعل الصين في وضع أكثر توتراً عندما تجد أن أوباما يوافق على أول اجتماع له مع الدالاي لاما، أو يعطي الضوء الأخضر لدعم عسكري جديد لتايوان، أو يأمر بقوانين تؤثر سلباً في التنمية الاقتصادية للصين، وتوقعات الصين المتزايدة التي تتحداها استفزازات أمريكية حتمية، ستؤدي إلى حساسية أكبر وردود فعل أقسى.
إن مصاعب أمريكا الاقتصادية تفاقم المأزق الأمني الآسيوي، فالولايات المتحدة قامت تقليدياً بتشكيل مركز قوة تجاري للمنطقة ولا تزال قوتها الناعمة تفوق قوة الصين، وحيث إن نفوذها الاقتصادي حالياً أخذ يضعف، فإن جاذبيتها كنموذج للنمو الليبرالي ستتضاءل أيضا، وستكون الصين المستفيد الرئيس من هذا التطور، فهي تتباهي بمساعداتها للدول المجاورة، وتستخدم مكانتها الاقتصادية في كسب التفوق الدبلوماسي، وتوجه الأموال لتحديثها العسكري، وتقوم الصين ببناء تدريجي لنظام إقليمي جديد، وهي لا تتوقع إلا دوراً هامشياً لأمريكا، وإذا ظل توازن القوى الآسيوي يتغير لصالح الصين، فسوف يكون أمراً حتمياً على أمريكا أن ترد.
ومن زاوية أخرى، فإن الفتور الحالي يجعل الهند واليابان وكثيراً من الدول الأخرى في المنطقة مترددة إزاء إمكانية الاعتماد على أمريكا كقوة موازنة خارجية، وإذا ظلت أمريكا تضعف، فكم من التنازلات ستقدم للصين، وهي ستفي بوعودها بإبقاء صعود الصين قيد الزجر؟ وهذا الهاجس سيؤدي إما إلى قيام الدول بالاستثمار في قدراتها العسكرية أو التحرك نحو بكين بشكل أوثق، وفي هذه الحالة سيكون هناك "خلق توازن" لكن لن يكون هناك أي "زجر".
إن باكستان أفغانستان تشكل مصادر أخرى للصراع، ففي ضوء الانتشار المغالى فيه للقوة الأمريكية فإن الرئيس أوباما يفضل توجهاً إقليميا نحو إضفاء الاستقرار على هذه المنطقة الساخنة، وستحاول أمريكا على الأقل أن تنسق مع الصين فيما يتعلق بالقضايا الأمنية الأكثر إلحاحاً، وتعزز التعاون بالنسبة لإعادة بناء أفغانستان اقتصادياً، وفي السنوات الأخيرة، لم تعق بكين العمليات الأمريكية في أفغانستان لكن تظهر الآن هواجس جديدة.
والصين لا ترغب في تحمل جزء من العبء، بل هي تفضل توجهاً حراً بينما تترك القوات الأمريكية هائمة على وجهها في جبال الهندوكوش التي تمتد نحو 600 ميل وبذلك تظل أفغانستان حرباً أمريكية، لكن بوجود الإدارة الجديدة، فإن الصين تلحّ على سيناريو خروج واضح، لكن الصين أيضا قلقة جداً من خطط أمريكا للتحرك بشكل أعمق في باكستان، وحتى إذا حدث هذا بموافقة إسلام أباد فإنه سيؤثر في جوهر المصالح الجيوسياسية للصين، في جنوب آسيا، ويثير عدم الثقة.
إن المفاتحات التي تقوم بها واشنطن نحو الصين قد تسمح بمهلة استراتيجية على المدى القصير، لكن ليس على المدى البعيد، ومن المحتمل أن تؤدي تملقات أمريكية إلى تعجيل صدامات استراتيجية جديدة، فالاعتماد المتبادل لن يحيد السباق الصيني الأمريكي، وهو لا يغير التصورات السلبية، وهو يهدئ المأزق الأمني، ورغم كل التفاؤل فإن العلاقة "الصينية - الأمريكية "تظل وهماً.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار