١٥ جمادى الآخرة ١٤٣١

القرن الصيني لم يهل علينا بعد


السمعة التي تتمتع بها الصين حالياً بأنها دولة قوية تعود إلى التوقعات بشأن المستقبل. وبعض الشباب الصيني يستخدم هذه التوقعات للمطالبة بمشاركة أكبر في السلطة الآن. ويحث بعض الأمريكيين على الاستعداد لصراع مقبل يشبه الصراع الذي دار بين ألمانيا وبريطانيا قبل قرن من الزمن.

ينبغي للمرء أن يشكك في هذه التوقعات. فبحلول عام 1900 كانت ألمانيا قد تفوقت على بريطانيا في القوة الصناعية، وكان لا بد أن تؤدي سياسة القيصر الخارجية المغامرة، إلى صدام مع القوى العظمى الأخرى. وفي المقابل، ما زالت الصين متخلفة كثيراً عن الولايات المتحدة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، وهي تركز سياساتها بصورة رئيسية على منطقتها وعلى التنمية الاقتصادية الخاصة بها. وبينما يوفر أنموذجها الاقتصادي اللينيني الخاص بالسوق (وهو ما يدعى «بإجماع بكين») قوة ناعمة في البلدان الفاشستية، فإن له عكس هذا الأثر في كثير من الديمقراطيات.

لكن حتى لو تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني ناتج الولايات المتحدة في 2030 أو نحو ذلك (كما يتوقع بنك جولدمان ساكس)، سيكون الاقتصادان متساويين في الحجم، لكن لن يكونا متساويين في التكوين. سيظل لدى الصين ريف شاسع غير مطور وستبدأ في مواجهة مشاكل سكانية (ديمغرافية) ناجمة عن الآثار المؤجلة لسياسة الطفل الواحد التي تتبعها. وزيادة على ذلك، عندما تتطور البلدان يكون هناك ميل إلى تباطؤ معدلات النمو. فلو افترضنا أن معدل النمو في الصين سيكون 6 في المائة ومعدل النمو في أمريكا 2 في المائة فقط بعد عام 2030، فإن الصين لن تتساوى مع الولايات المتحدة في معدل دخل الفرد إلا في وقت ما من النصف الثاني من هذا القرن.

ومعدل دخل الفرد يعد مقياساً لتقدم أي اقتصاد. وبينما سيؤدي معدل النمو المثير للإعجاب الذي تحققه الصين، إذا ما أضيف إليه حجم تعدادها السكاني، إلى جعلها تتجاوز اقتصاد الولايات المتحدة في الحجم الكلي، فإن هذا لا يعني التساوي معها. ولأن من غير المرجح أن تظل الولايات المتحدة جامدة في مكانها خلال تلك الفترة، فإن الصين بعيدة عن تشكيل تحد لأمريكا من النوع الذي شكلته ألمانيا القيصرية عندما تفوقت على بريطانيا في بداية القرن الماضي. ورغم ذلك، صعود الصين يذكرنا بتحذير ثيوسيدس من أن الإيمان بحتمية الصراع يمكن أن يصبح أحد أسبابه الرئيسية.

لقد انتقلت الصين خلال العقد الماضي من كونها تاسع أكبر مصدّر إلى أكبر مصدر في العالم، لكن ربما تعين تعديل أنموذج التنمية الصيني الذي تقوده الصادرات، لأن الموازين التجارية والمالية العالمية تصبح أكثر إثارة للنزاع في أعقاب الأزمات المالية. ورغم أن الصين تمتلك احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، إلا أنها ستواجه صعوبة في زيادة فاعليتها المالية بإقراض البلدان الخارجية بعملتها الخاصة إلى أن تكون لديها أسواق مالية عميقة ومفتوحة تتحدد فيها أسعار الفائدة من قبل السوق وليس من قبل الحكومة.

وخلافاً للهند التي ولدت ولديها دستور ديمقراطي، لم تجد الصين حتى الآن سبيلاً لحل مشكلة المطالب الخاصة بالمشاركة السياسية (إن لم تكن بالديمقراطية) التي تترافق عادة مع زيادة معدل دخل الفرد. لقد ولت أيديولويجية الشيوعية منذ زمن طويل، وتعتمد شرعية الحزب الحاكم على النمو الاقتصادي وعلى الوطنية المتعصبة لعرق الهان في الصين. ويقول بعض الخبراء إن النظام السياسي الصيني يفتقر إلى الشرعية ويعاني من استشراء الفساد وأنه عرضة للقلاقل السياسية إذا تداعى الاقتصاد. ويظل موضوع ما إذا كان بمستطاع الصين تطوير صيغة تمكنها من إدارة الطبقة المتوسطة الآخذة في التوسع، وانعدام المساواة بين الأقاليم، والامتعاض السائد في أوساط الأقليات الإثنية، أمراً غير معروف. والنقطة الأساسية هي أنه لا أحد، بمن في ذلك الزعماء الصينيون، يعرف كيف سيتطور مستقبل البلد السياسي وكيف سيؤثر ذلك على نموه الاقتصادي.

في 1974 قال دينغ زياوبنغ للجمعية العامة للأمم المتحدة: «إن الصين ليست قوة عظمى ولن تسعى لأن تكون كذلك أبداً». وإدراكاً من الجيل الحالي من الزعماء الصينيين بأن النمو السريع هو مفتاح الاستقرار السياسي المحلي، انصب تركيزهم على التنمية الاقتصادية وعلى ما يدعونه المناخ الدولي المتآلف الذي لن يعيق نموهم. لكن الأجيال تتغير، والقوة تخلق العنجهية، والشهوات تنمو أحياناً مع الأكل. ويحذر بعض المحللين من أن القوى الصاعدة لا بد أن تستخدم قوتها الاقتصادية الجديدة لغايات سياسية وثقافية وعسكرية أوسع.

وحتى لو كان هذا تقييماً صحيحاً للنوايا الصينية، فمن المشكوك فيه أن تكون لدى الصين القدرة العسكرية لجعل هذا السيناريو ممكناً. ذلك أن آسيا لديها ميزانها الداخلي للقوى، وفي ذلك الإطار، فإن كثيرا من الدول ترحب بوجود أمريكي في المنطقة. وسيتعين على الزعماء الصينيين أن يواجهوا ردود أفعال البلدان الأخرى والقيود التي يوجدها هدفهم الخاص بالنمو والحاجة إلى الأسواق والموارد الخارجية. إن الموقف العسكري المفرط في العدوانية يمكن أن يؤدي إلى قيام ائتلاف مواز بين جيرانها قد يضعف قوتها الفعلية والناعمة على حد سواء. لقد وجد استطلاع أجراه مركز بيو أخيرا في 16 بلداً أن هناك موقفاً إيجابياً تجاه الصعود الاقتصادي للصين، لكن ليس تجاه صعودها العسكري.

وحقيقة أنه من غير المرجح أن تصبح الصين منافساً نداً للولايات المتحدة على الصعيد العالمي لا تعني أنها لا تستطيع أن تتحدى الولايات المتحدة في آسيا، وأنه لا يمكن استبعاد أخطار حدوث صراع بين الجانبين. لكن بيل كلينتون كان محقاً بصورة أساسية عندما أخبر جيانغ زيمين في 1995 بأن لدى الولايات المتحدة ما تخشاه من ضعف الصين أكثر مما تخشاه من قوتها. وفي ضوء التحديات العالمية التي تواجهها الصين والولايات المتحدة يمكنهما أن تكسبا الكثير من العمل معاً. لكن العنجهية والوطنية السائدتين يبن بعض الصينيين وخوف بعض الأمريكيين الذي لا لزوم له من التراجع، أمور تجعل من الصعب ضمان هذا المستقبل.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار