١٦ جمادى الآخرة ١٤٣١

ماذا بقي للعرب بعد الصين


أخيرا كشرت الصين عن أنيابها للعرب وقررت أن تتركهم وراء ظهرها من أجل مصالحها التجارية والسياسية مع إسرائيل التي كانت حتى وقت قريب عدوا لها مثلما هي عدو للعرب؟

ولكن السؤال المطروح لماذا جاء القرار الصيني الذي بمثابة قنبلة غير موقوتة في هذا الوقت بالذات الذي كان العرب مجتمعين معها في المنتدى العربي الصيني الذي عقد بمدينة تياجين الساحلية التي تمثل العاصمة التجارية التي يقصدها العرب؟.

من المؤكد ان القرار الصيني برفض التوقيع على وثيقة مشتركة مع العرب تدعو لاعتبار القدس الشرقية وليست كل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية يمثل تحولا كبيرا في السياسة الصينية التي كانت حتى وقت قريب داعمة للعرب وداعمة أساسية للفلسطينيين من أجل نيل حقوقهم وأن هذا القرار رغم انه كان مفاجئا لدى بعض العرب إلا انه كان متوقعا من الصين التي يبدو انها وصلت رسالتها الواضحة للعرب ليس عبر مجلس الامن الدولي وإنما عبر المنتدى الذي تجمعه مع العرب.

وهذا يعني أن الرسالة كانت مقصودة وان القرار أعد بعناية وترتيب مسبق لم ينته العرب الذين سارعوا فرادى وجماعات للمشاركة في هذا المنتدى الذي اصبح مجرد تحصيل حاصل بالنظر للواقع في العلاقات العربية الصينية وتقاطع مصالح الصين دوليا معها.

فتحول مواقف الصين من القضايا العربية لم يبدأ من منتدى تياجين وانما بدأ منذ أعلنت الصين اقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في اعقاب اتفاقيات اوسلو وفي اعقاب تحول مواقف العديد من الدول العربية من إسرائيل والتي بدأت منذ عهد التسعينيات من القرن الماضي، فقد ارسلت أول سفيرة لها لبكين في النصف الاول من التسعينيات واستطاعت هذه السفيرة ان تسحب البساط الصيني رويدا رويدا من العرب الذين كان لهم أكثر من21 سفيرا مقيما أغلبهم منذ أوائل الستينيات.

واستطاعت هذه السفيرة التي كانت دبلوماسية ان تضع اللبنة الاولى لأساس العلاقات الإسرائيلية الصينية لانها عرفت ماذا تريد الصين التي وضعت نهجا جديدا لغزو العالم تجاريا واقتصاديا بحيث يكون لها موطئ قدم مع الكبار ومن هنا بدأت سياسة التحول البطيء في المواقف الصينية تجاه القضايا العربية المختلفة لانها دخلت الخط مع إسرائيل التي سهلت لها دخول الغرب تجاريا واقتصاديا وحتى سياسيا حتى أصبحت اليوم ثالث أكبر قوى اقتصادية في العالم.

ولذلك فليس غريبا ان تتخلى الصين عن العرب ولكن الغريب ألا يفهم العرب سر هذا التغيير الذي فاجأتهم به الصين في تياجين وسبب عدم الفهم يرجع لسوء السياسات العربية من أساسها تجاه اقامة علاقات على أسس واضحة مع القوى العظمى والتي أصبحت الصين واحدة منها، فالعرب بدلا من اقامة شراكة اقتصادية وسياسية استراتيجية مع الصين التي كانت في متناول أيديهم تركوها تتجاذبها قوى أخرى اقليمية ودولية ومن بينها إسرائيل التي نجحت عبر سفيرتها في اقامة تحالف استراتيجي معها والهدف منع العرب من الاستفادة من موقفها مع الصين من التحالف معهم.
فاسرائيل وفرت للصين كل ما ترغب فيه، وسهلت لها طرق العبور للغرب والاستفادة من الشركات اليهودية الكبرى في العالم، وان العرب لم يقدموا لها شيئا، يوازي ما تقدمه إسرائيل، التي عرفت كيف تدخل قلوب الصينيين قبل عقولهم، خاصة انها ادركت ان مواقف الصين من القضايا الدولية ليست ثابتة وانما تقوم على مصالح سياسية واقتصادية وتجارية فرط العرب فيها واستطاعت إسرائيل بذكاء ان تملأ الفراغ.

فليس غريبا ان تكافئ إسرائيل الصين بعد قرارها الامتناع عن التوقيع على مسودة الوثيقة مع العرب بمبلغ 400 مليون دولار كدين أو منحة، فالدنيا مصالح والصين عرفت ان إسرائيل تحقق لها مصالحها، فهي في حاجة لها وليست في حاجة للعرب الذين هم في أشد الحاجة لها باعتبارها قوى عظمى لا تقل شأنا عن امريكا وبريطانيا وربما إسرائيل التي اصبحت شريكة استراتيجية لها فيما ان العرب شركاء اقتصاديون وتجاريون فقط يمكن الاستغناء عنهم بدول أخرى.

فاذا كان هناك لوم في الموقف الصيني الجديد فيجب ان يوجه للعرب قبل غيرهم، فالصين كانت في حاجة لهم وكانت تنشد دعمهم ولكنهم لم ينتبهوا لعوامل الزمن، فمثلما تحولت مواقف العرب من إسرائيل بعد اوسلو تحولت مواقف الصين التي اصبحت تتحدث في علاقتها علنا مع إسرائيل، الصين التي ظلت حتى عهد التسعينيات وفية للقضايا العربية اصبح العرب ينظرون لها بأنها المنتج الاساسي للمنتجات السيئة والرخيصة من لعب الاطفال والملابس ولم ينظروا لها كشريك اقتصادي أو سياسي وتركوها لقمة سهلة تلقفها يهود العالم الذين تعاملوا معها كقوة بديلة عن أمريكا والدول الغربية وسهلو ا طرق الدخول للغرب سياسيا واقتصاديا عبر إسرائيل التي اصبحت شريكتها الاساسية في المنطقة.

فالصين ومنذ ان طبقت سياسة الانفتاح التي تبناها «دينغ شياوبينغ» الذي غلب مصالح الصينيين على عقائد الماويين والشيوعيين وحرر الإقتصاد الصيني بعد توليه السلطة عام 1978 من ثقل وقيود الإيديولوجيا الماوية وتوجيهات وتعليمات «قائد الثورة الصينية» «ماوتسي تونغ» وأفكاره الطوباوية ومقولات كتابه الأحمر وفكره الشعبوي وشر الوحدات الزراعية الجماعية الشعبية القصرية الفاشلة والمدمرة للإقتصاد اصبحت تضع مصالحها فوق مصالح الكل وتتعامل في سبيل تحقيقها مع الكل ونتيجة لذلك بدأت رحلة الصعود الى قمة العالم فيما بدأ العرب رحلة الهبوط، فهي كانت في حاجة لنفط العرب وغازهم وأموالهم المكدسة في البنوك الغربية.

إن الصين ليست صاحبة المنتجات الرديئة والرخيصة الثمن والمقلدة فحسب فانما هي لاعبة اساسية عرفت إسرائيل كيف تستثمرها لصالحها في وقت الحاجة ولذلك كان لابد ان تقول لا للعرب وبالفم المليان لانها ليس لديها ما تخسره، فهي الاقوى اقتصاديا وهي الاقوى سياسيا وهي الاقوى ماليا وهي التي تملي شروطها على العرب وان ما تم بتياجين ما هوإلا البداية لمواقف قد تكون غير معهودة من الصين على العرب أن يتعاملوا معها ويتعلموا من الزمن،فالصين التي كانت تداري مواقفها من القضايا العربية المختلفة في مجلس الامن بالامتناع عن التصويت أرادت بقرارها الجديد الذي فاجأت به العرب ان تقول لهم انا موجودة وعليكم ان تدركوا الواقع الجديد الذي يقوم على المصالح، فمواقفها تقوم على مبدأ المصالح والمثل الصيني يقول «ليس المهم لون القط وانما المهم ان يقتل الفأر» ولذلك فالصين تريد ان تحقق مصالحها مع العرب ومع إسرائيل وانها مع الذي يحقق لها اكثر.

ان العرب مطالبون ان ينظروا للواقع في علاقاتهم الدولية الحالية، فبعدما تركوا الحبل على الغارب لامريكا ردت عليهم باحتلال العراق ومنح إسرائيل المبرر للتراجع عن تعهداتها التي قطعتها بشأن السلام في اوسلوا وواى ريفر وأنابوليس، وتخلى العرب عن روسيا التي اصبحت تبحث عن مصالحها وهاهي الصين القوى العظمي الثانية ترد لهم الصاع صاعين وفي اجتماع مخصص لبحث تنسيق للمواقف السياسية والاقتصادية والتجارية.

فما تم في تياجين درس يجب ان يستفيد منه العرب ليس لبناء استراتيجية جديدة مع الصين والتي لن تتنازل عن علاقاتها مع إسرائيل وانما لوضع استراتيجية عربية عامة تعيد النظر في مجمل العلاقات مع القوى العظمى غربا وشرقا، فماذا استفاد العرب من علاقاتهم مع الادارة الامريكية المنحازة لإسرائيل ولماذا يستخدم العرب سلاح المال والنفط والغاز كوسيلة ضغط في العلاقات الدولية.

فمثلما تستخدم أمريكا والغرب السلاح والمال وتستخدم الصين التجارة فللعرب أيضا وسائل متعددة يمكن استخدامها في العلاقات الدولية وتحييد دول مثل الصين التي لها مصالح اقتصادية وسياسية كبرى مع العرب،فالصين لديها استثمارات كبرى في الدول العربية سواء كانت نفطية او تجارية او غيرها ولكنها بسبب مصالحها مع الغرب فهي لم تدعم اى موقف عربي، وماحصل بقضية السودان في مجلس الامن خير دليل فقد امتنعت الصين عن التصويت رغم انها كان بامكانها استخدام حق النقض الفيتو وكان نتيجة للموقف الصيني اصبح السودان معلقا بقرارات دولية.
القضية قضية مصالح والصين عرفت ان مصالحها مع إسرائيل التي سارعت بمكافأتها بمبلغ 400 مليون دولار بعد اجتماع تياجين مباشرة، فرغم ان التبادل التجاري بين الدول العربية والصين قد ارتفع من 36 مليار دولار الى107 مليارات دولار عام 2004 إلا ان الصين لم تتحدث عن جحم تبادلها التجاري مع إسرائيل والذي يشمل سلعا متعددة من بينها الأسلحة والمعدات الحساسة التي توفرها إسرائيل لها من الغرب

فالسؤال المطروح والملح لماذا فشل الدبلوماسيون العرب في بكين ونجحت السفيرة الإسرائيلية السابقة وهي جديدة عهد بالمطبخ الصيني؟ فالقضية ليست في اجتماعات او منتديات أو توقيع اتفاقيات، فعلاقات الصين الخارجية مع الدول المهمة استراتيجيا لها تقوم على البيانات المشتركة وهي سياسة ارسالها الراحل ماو تس تونغ منذ الزيارة الشهيرة للرئيس الامريكي الراحل نيكسون في بداية التسعينيات ولكن هل تقوم العلاقات العربية الصينية على نفس النهج ام انها تقوم على مبدأ مذكرات التفاهم ومسودات وثائق مثلما حدث بتياجين والتي رفضت بكين التوقيع عليها. على العرب ان يبحثوا عن الاسباب التي قادت لتخلي الصين عن بعض مواقفها المبدئية الداعمة لهم.

أهم الأخبار

اليوم السابع

عشق الصين

سجل الزوار